في العرف السياسي , تتسابق مع الزمن الحكومة المشكلة بديلاً عن حكومة سابقة متهمة بالفشل , ببرامج لوزرائها تتناسب مع ضرورة تغيير السياسات والآليات واساليب العمل لوزاراتهم , للرد على ضعف البرامج المعتمدة من الوزراء الذين سبقوهم , وصولاً الى تبرير التغيير السياسي الذي فرضته نتائج المرحلة السابقة . ومع أن الوقت لازال مبكراً للمقارنة بين زمنين , الا أن الراشح الى الآن من نتائج لايبدو مشجعاً لانتظار الأفضل , خاصة وأن وزراء الحكومة الجديدة لازالوا منشغلين في ( تغيير ) أوضاع مكاتبهم وطواقمها الأدارية والاعلامية والأمنية , التي يعتبرونها أهم من باقي أقسام الوزارة وعلاقتها بالمواطن , وهم في ذلك يسيرون على نفس السياق الذي أعتمده سلفهم في ادارة الوزارات , حتى لو أختلفت مرجعيته القومية أو الطائفية أو الحزبية , حذراً من الوقوع في ( كمائن المراقبة ) التي تتبادلها الأطراف لتسجيل النقاط على بعضها , ضماناً لـ ( وحدة المصير ) التي توفر المنافع للجميع وتقيهم من شرورالخلاف تحت الطاولات , أما فوقها فأن جميع الخلافات معدة أصلاً للتسويق الأعلامي للجمهور . وزير التعليم العالي الجديد الدكتور حسين الشهرستاني سارع ( مشكوراً ! ) للأعلان عن أمانته للمنهج الذي أختطه سلفه في أدارة الوزارة , حين أعلن في كلمته خلال حفل تخرج الدورة (15) لجامعة كربلاء ,أن الدورة الجديدة ستساهم في حملة ( الاعمار! ) التي تشهدها المحافظة , ودعا مؤسسات القطاعين العام والخاص الى الافادة من الخريجين لـ ( تحريك ! ) عجلة التنمية ! . أن كلمة الوزير هذه لاتختلف في محتواها عن كلمات الوزراء الذين سبقوه في ادارة وزارة التعليم العالي خلال حفلات تخرج الجامعات العراقية منذ سقوط النظام السابق , وهي بمجملها كانت خطباً انشائية لاتمت للواقع العراقي بصلة , ناهيك عن السياسات الخاطئة التي أعتمدها اسلافه في التوسع الافقي للجامعات التي وصلت أعدادها الى أكثر من خمسين جامعة تفرعت جغرافياً الى أكثر من جامعة في المحافظة الواحدة , حتى وصل الأمر الى أن تطالب أقضية لاتبعد عن مراكز المدن سوى بضعة أعشار من الكيلومترات بأن يكون لها جامعة , وفق مبدء لاعلاقة له بالتخطيط المركزي وأصول افتتاح الجامعات وضوابطها , معتمدين على قوة التمثيل السياسي المتواجد في هرم السلطات المنتمي بالولادة والتمثيل العشائري لتلك الاقضية , وقد لايكون هناك سبباً للاستغراب مستقبلاً أن تفتتح كلية ما مستقبلاً في ناحية او حتى قرية كان ولد فيها مسؤولاً حزبياً مؤثراً الآن في القرار السياسي !. لقد رمى وزير التعليم العالي الجديد خلف ظهره حقائق لايمكن أن تغيب عن ذهن المواطن العادي وليس السياسي الفاعل في طواقم السلطات منذ أحد عشر عاماً , ليس أقلها شأناً , أن الجامعات العراقية الحكومية والأهلية التي تناسلت بتصاعد ملحوظ , تدفع الى سوق البطالة العراقي أكثر من ( 50 ) الفاً من حملة الشهادات الجامعية والعليا سنوياً , وهؤلاء كان يجب أن يكون لهم أهتمام في برامج صناع القرار السياسي في العراق منذ سنوات , لا أن تضاف لهم أعداد جديدة دون حساب لنتائج ذلك على كل مناحي الحياة في العراق , وأولها وأخطرها هو الجانب الأمني الذي لازال الى الآن يشكل الهاجس الابرز في حياة العراقيين , ومااشار اليه الوزير من اهمية الخريجين في الاعمار ووافق عليه الوزير في تسمية دورة الخريجين ( دورة السلام والتنمية ) ليس له علاقة بالواقع العراقي جملةً وتفصيلاً , فأي سلام وأي تنمية تسمى بها الدورة في الوقت الذي تجتاح فيه عصابات الأجرام أرض العراق وتسيطر على ثلث مساحته وتعبث كما تشاء في أمن العاصمة والعديد من المدن وتمارس افعالها الاجرامية علناً وتعلن كياناتها الادارية وقوانينها ؟ . ان اصرار السياسيين على بيع ( الهواء ) للعراقيين خلال الدورات الأربعة للحكومات السابقة , مقابل الاثمان الباهضة المدفوعة من دماء أبنائهم وأحلامهم ومستقبل أجيالهم , لم يعد مقبولاً الآن في الحكومة الخامسة التي يبدو أن وزرائها ليس لهم منهج جديد يكفرون به عن أخطاء أقرانهم السابقين , فقد توالت خيبات الشعب فيمن أنتخبوهم للعبور الى ضفة الأمان والعيش الكريم , ولم يعد هناك متسع من الوقت للتجريب والوعود الزائفة والضحك على الذقون , فقد وصل السيل الزبى , وحذاري من عبور آخر الخطوط الحمراء لأن عبورها سيطيح بالجميع !.
|