( أحوال ومقامات) عبد الكريم كاصد.. جاسم عايف |
اليوم،ظهراً ،ومع اعتدال الطقس في البصرة، أنهيت قراءة كتاب (أحوال ومقامات) للشاعر عبد الكريم كاصد ، والصادر عن دار فضاءات في الأردن .وأسجل عنه انطباعات أولى، سريعة، على أمل العودة موسعاً له .أرى أن الكتاب يدعو للتجول في حلم، أوفي الغوص فانتازيا، يمكن المسك بها ومحاورتها. (كاصد) سعى في(أحوال ومقامات) تجاه الواقع العينيي، لا الحلم فقط ، فهو ذلك الطفل كما، سابقاً، في (النقر على أبواب الطفولة)، مع تنوعات عدة متجددة، بسبب تجدد شقاء الوعي وقسوة التجربة الحياتية، و الجدار الذي يُشرع فيه (كاصد) كل ما مرّ به وخبره، وعايش مراراته وفقداناته العامة- الخاصة، إلا (الشعر)، وما بكائه إلاّ الضحك على واقعٍ يبدو كـ(الحلم)، وحلم كـ(الواقع)، ونوم كـ(اليقظة) ، ويقظة كـ(النوم). كتاب(أحوال ومقامات) على سعته في الحجم،و في تناوله الزمان والمكان ، يمكن أن يعد نصاً منفتحاً على أفق السيرة، ولكنها سيرة متعددة (حياتية- شعرية - ثقافية)، ومطعمة باستذكرات ، ثمة صور تستدعيها الذاكرة من عوالم الطفولة في مدينة البصرة ، ومع السيرة قصائد من مختلف الأعمال الشعرية التي أصدرها(كاصد) ، وإحالات لفصول من حياته. ولا يمكن في (أحوال ومقامات) معرفة متى يبدأ النثر وينتهي الشعر، فشعر دون نثر لا معنى له، وكذلك نثر يخلو من الشعر لا قيمة له ، لأن نثر كاصد يتحول إلى شعر، و العكس، ويكمل احدهما الآخر، ولا ثمة مجال لأن ينتهي الخيال ويبدأ السرد الواقعي ، لأنهما يتداخلان ويكملان بعضهما. الحكمة تتوزع على كل صفحات الكتاب، ومعانيه لا تمنح نفسها بسهولة لقارئها، كأن(كاصد) ينتظر من قارئه المكابدة للفوز بالفهم ومتعته ، والدخول في لبه وجوهره.اغلب فصول الكتاب تندرج ضمن ما (رواه فردان)، ويسرد فيها جوانب من طفولة يستحضرها، و تجارب مريرة عاشها ، و حكمة يستخلصها من تلك المعاناة والسيرة، و يصوغها في كثافة وتركيز، والاحتفاء بالفردية لا يلغي لقاء الجماعة.(الشاعر والناثر) عبد الكريم كاصد له في كلّ كتابة،نثراً أو شعراً، رغبة،وتصميم، في الخروج من عزلة الفرد إلى أفق الجماعة، ومن وحشة المنفى إلى ألفة الوطن، ومن المونولوغ الواحد إلى الحوار المتعدّد، ومن هامش الحياة إلى مركزها، وقد يكون العكس . عبد الكريم كاصد في (أحوال ومقامات) وضع مختارات من قصائده ومزجها بلوحات من ذكرياته عن سيرته ، وأسفاره،و يلجأ لبعض الحوارات التي جرت معه في أوقات وأزمان متباعدة وأماكن بعيدة وقريبة، شتى. |