بعد مضي ما يقارب الشهرين على مرحلة الصدمة واللاتوازن السياسي الذي مرت به المنطقة عقب سيطرة داعش على مناطق واسعة من العراق , وتعرضها لمناطق في كوردستان , وما تلاها من تطورات على الساحة السورية , بدأت امريكا والغرب بترتيب اوراقها مرة اخرى للدخول في الفصل الاخير لسيناريو اعدته دوائر المخابرات الدولية , وأخرجته حكومات المنطقة , ومثلت فيه الشعوب العربية والمليشيات الاسلامية المسلحة دور البطولة , كل حسب المساحة المخصصة له , لتنذر بنهاية تراجيدية قد تطول سنوات . في هذه المعمعة يتشكل الدور التركي مرة اخرى ليعيد تأثيره على مجريات الاحداث , لكن على نطاق اضيق مما كان عليه في بداية ما سمي بثورات الربيع العربي .. بعد انحسار تأثيرها في تونس ومصر وليبيا وسوريا . وما ساعد على بروز الدور لتركي من جديد هي تحركات داعش الميدانية في سوريا والعراق , خاصة تعرضها لإقليم كوردستان العراق ثم محاولاتها المستمرة للسيطرة على مناطق كوردستان سوريا . ويتركز الموقف التركي في تعامله مع الملف السوري حاليا على استغلال تحركات داعش , لضمان ما تصفه بالأمن ( القومي ) التركي . ويظهر ان هناك ترتيبات تركية – امريكية و تركية غربية في هذا الصدد , يمكن ايجازها في النقاط التالية : - - ان تصريحات تركية السابقة في عزمها اقامة منطقة عازلة على طول حدودها مع العراق وسوريا عقب سيطرة داعش على مدينة الموصل العراقية , وتحرشها بإقليم كوردستان العراق , كانت تمهيدا لتحركات مرتبة سلفا مع تنظيم داعش لبدء قتالها الحالي مع الفصائل الكوردية في سوريا ومحاولتها السيطرة على مناطق كوردية محاذية لحدود تركيا الجنوبية . - الموقف التركي السابق الرافض للمشاركة في اي جهد عسكري غربي ضد داعش بحجة وجود رهائن ترك لدى داعش تغير بعد استحصالها لموافقة امريكية غربية بالتحرك البري لجيوشها صوب سوريا من خلال المناطق الكوردية فيها . - الموقف الامريكي والغربي الذي يؤكد على عدم مشاركة قواتها البرية في المعارك , وفي الوقت ذاته تأكيدهم على ان الغارات الجوية الحالية لوحدها لن تحسم المعركة ضد داعش , مهدت لتركيا للتحرك نيابة عن المجتمع الدولي للتدخل برا , خاصة في سوريا , التي لا تملك قوات محلية قادرة على التصدي الفعلي لعصابات داعش . - عودة التصريحات التركية للحديث عن ضرورة انشاء مناطق عازلة داخل الحدود السورية تكون منطلقا للمعارضة السورية المتمثلة بالجيش الحر لقتال قوات النظام السوري , وهو ما يعزز حاجة التحالف الدولي لوجود قوات برية ( تركية ) في تلك المناطق . - فتح تنظيم داعش لجبهة جديدة مع كورد سوريا , في وقت هو احوج ما يكون فيه الى تهدئة القتال بعد بدء الغارات الامريكية عليه , والهزائم المتلاحقة التي تكبده في العراق يدل على وجود تطمينات امريكية له بعدم التعرض اليه في مناطق القتال مع كورد سوريا . وما يعزز من هذا الاعتقاد هو استمرار داعش في شن الهجمات على مدينة كوباني مع استمرار الغارات الجوية على مواقع هذا التنظيم في كل مناطق سوريا . - تصريحات قوات حماية الشعب الكوردية السورية (المقربة من حزب العمال الكوردستاني) , تشير الى تخوفها من التوجهات التركية هذه , من خلال دعوتها الحكومة التركية مساعدتها انسانيا ولوجستيا وليس عسكريا , مع التأكيد على ان الاستمرار في عملية السلام مع كورد تركيا سيقوض من تأثير داعش في المناطق الكوردية المحاذية لتركيا . - التضخيم الاعلامي التركي في سقوط عدد من القذائف داخل الاراضي التركية والتهويل الاعلامي لتأثيراتها , يشير الى عزم تركيا كسب نقاط سياسية وأمنية من اجل اي تدخل مستقبلي لها هناك . - ليس بمقدور قوات حماية الشعب الكوردية الوقوف ضد رغبة المجتمع الدولي في اقامة منطقة عازلة ( داخل الحدود السورية ) لتكون منطلقا لقتال النظام السوري وعصابات داعش . - ان اتخاذ موقف كوردي رافض للتدخل التركي في مناطقهم سيؤدي بتركيا وحلفائها الذهاب ابعد من ذلك وفسح المجال امام داعش للتحرك والسيطرة على مناطق جديدة في كوردستان سوريا و ( كوباني ) لن تكون استثناءا لهذه المناطق بالطبع .
لهذه الاسباب وأسباب اخرى كثيرة , فان كوردستان سوريا تخضع اليوم الى مساومات اقليمية و دولية بعيدة عن تطلعات وطموح الشعب الكوردي , وقوات حماية الشعب هناك مطالبة اليوم باستثمار اي جهد سياسي وعسكري حقيقي يعمل على اخراج مناطقها من الموازنات الدولية والإقليمية , التي تخطط لها تركيا بحجة حماية امنها القومي , والمسئولية الحقيقية الان تقع على عاتق كورد سوريا وتوجههم البعيد عن المصالح الحزبية نحو بيشمركة اقليم كوردستان , وفسح المجال امامها للتنسيق الثنائي بين الطرفين وإضعاف سيطرة داعش على هذه المناطق , وبالتالي سحب البساط من تحت ارجل الحكومة التركية للقبول بالوضع الجديد في وجود مناطق كوردية في سوريا لها جزء من السيادة قابلة للزيادة ان استطاع الكورد في سوريا استثمار الجهد الدولي هذا سياسيا واقتصاديا .
|