غياب قيادة شيعية موحدة: (نقد ظاهرة)

لقد شرعنا قبل عام تقريباً في كتابة مقالات لرصد ونقد بعض الظواهر السلبية في المجتمع والدولة بعد سقوط الطاغية أملاً في تجاوزها أو في تلافي آثارها السيئة، وأود في هذه العجالة أن أعرج على ابرز ما تم تشخيصه منها إجمالاً قبل الانتقال إلى نقد ظاهرة أخرى هي من أشدها ضرراً وخطورة... 
لقد نقدنا ظاهرة أسميناها (الأيقونات البشرية) وعنينا بها الصور العملاقة المنصوبة في الشوارع والساحات العامة لرموز دينية وحزبية وسياسية، وأوضحنا أن هذه الظاهرة موروثة من النظام البائد. ونقدنا ظاهرة (الحواشي المحيطة بالمسؤولين) وحذرنا من تحولهم إلى (مافيا) سيكون لها دور خطير في حصول النزاعات بين الكتل السياسية ونشوب الخلافات في الاوساط الاجتماعية... ونبهنا إلى ظاهرة (كثرة الولاء والانتماء) وتكثر الاحزاب وما يترتب على ذلك من تفتيت الوحدة الوطنية وعرقلة اتخاذ القرارات المصيرية، ونقدنا بشدة استقتال المسؤولين على الكراسي والمناصب وتوزيع الغنائم والحصص، ورصدنا ظاهرة محاباة المسؤولين لأقاربهم وذويهم ومنح الفرص لهم ودفع المستحقين عنها (كما حصل مع كاتب هذه السطور)، وحذرنا من عمالة قادة الكرد للصهيونية العالمية ومؤامراتهم على العراق وطمعهم في ثرواته، وأشرنا إلى الخلل الاستخباري وضعف الرقابة على بقايا النظام البائد...وغيرها من الظواهر.
غير أني اعتقد أن أخطر الظواهر وأعقدها هي ظاهرة غياب قيادة شيعية موحدة قادرة على الاضطلاع بمهام إدارة السلطة التنفيذية (التي هي أهم السلطات في بنية الدولة الديمقراطية)، فالقوى الشيعية وقواعدها الجماهيرية تابعة لأهواء زعمائها، وهؤلاء الزعماء أنانيون بطبيعتهم أو بالواسطة لأنهم على الدوام محاطون ببطانة سيئة لا تفتر عن نفخهم وتضخيمهم كما هو شأن كل بطانة في التاريخ، لقد صار هؤلاء الزعماء لا يرون إلا أنفسهم ولا يعنيهم إلا الحفاظ على مقاماتهم العالية ورمزيتهم الراقية وتاريخهم الملمع وتراث أسرهم المقنّع، وهم كقادة لكتل أو أحزاب أو تيارات غير متفاهمين فيما بينهم إلا أمام الإعلام وأجهزته المرئية والمسموعة، ورغم أنهم يعلمون جيداً أن غالبية الناس لا يصدقونهم فيما يدّعون من التفاهم والانسجام (إذ أن حبل الكذب قصير) يحاولون مع ذلك الايحاء فضلاً عن الإقناع بأن ما يضمرونه هو عين ما يظهرونه...
تقع اليوم على عاتق هؤلاء الزعماء والقوى المرتبطة بهم مسؤولية تاريخية عظمى، حيث يتعين عليهم في الظرف الراهن التنازل عن العناوين البراقة والتصريحات الرنانة والمقامات الطنانة والألقاب الرجاجة لصالح وحدة العراق وخدمة شعبه، فحينما يكون الإخلاص رائدهم والعمل الوطني الدؤوب ديدنهم والمصلحة العامة غايتهم والسعي الحثيث في توحيد الصفوف منهجهم يمكننا الحديث عن إمكان تجاوز هذه المرحلة العصيبة وعبور هذه الأزمة الرهيبة التي تجثو على صدر العراق وتوغل في خناقه... لابد أن يرجع هؤلاء القادة (إذا كانوا فعلاً يريدون صالح العراق وليس مصالحهم الشخصية أو الفئوية) إلي أرضية مشتركة ينطلقون منها لإنقاذ البلاد والعباد، ويبتدأ المشوار بالنية الصادقة ثم باستشارة أهل العلم والخبرة والتخصص كيما يدلوهم على ما ينبغي فعله في المرحلة القادمة... إن العالم بات يدرك أن العراق قد أشرف على حافة الانهيار وصار على شفا جرفٍ هار... لكني اعتقد أن قادتنا (إنْ حالفهم التوفيق) قادرون على تخييب ذلك الظن، وليس ذلك إلا بالتخلي عن الامتيازات الخاصة وخرق حجاب الأنانية والترفع عن أوهام النخبة لصالح الوطن والشعب والمعتقد.