اتركوا علي للفقراء والضعفاء |
لازالت عالقة في ذهني تلك القصص التي كانت ترويها لي أمي في سنوات طفولتي ,عندما اتوجه للنوم في فراشي,جلها تحكي مواقف جسدها امير المؤمنين علي (ع) طيلة مسيرة حياته ابتداء من ولادته المباركة في بيت الله ,وانتهاءً باغتياله وهو في محراب الله لأداء صلاته, هذه القصص شملت أروع معاني الدروس والعبر بالتضحية والفداء والصبر على المآسي والآلام,ووفائه بالعهود التي قطعها مع نفسه ولرسول الله (ص) بأن يحفظ العهد ,ومع الاخرين باحترام المواثيق,حكايات تتحدث عن حبه للجميع وسعة صدره التي لا تفرق بين ابيض واسود، وعن طيب أصله وسمو خلقه الرفيع ,وكيف تعامل مع الناس بروح الإخوة والإنسانية ،وإحسانه لجاره والصبر على أذاه ,وإنسانيته التي أصبحت ظاهرة عابرة للقارات والمحيطات ولكل دول العالم ,ومنهج يقتدي به ويدرسه الزعماء والقادة الذين يؤمنون بهذا الصراط المنير ودوره المشرق في مناصرة الضعفاء والفقراء وبكل انتماءاتهم الذين لا يملكون من حطام الدنيا سوى رغيف خبز ليومهم الذين يعيشونه،وما قدمه اليهم لتبقى كراماتهم محفوظة وشعورهم بالاعتزاز بنفسهم بعيداً عن هدر ماء وجوههم ,ومشاهدة الذلة في عيونهم,الفقراء والمساكين الذين تبنى قضيتهم منذ شبابه وحتى نهاية المطاف بالسيف الذي خضب شيبة لحيته وهو على فراش الموت يوصي أبناؤه بهم ومساعدتهم ومد يد العون لهم,وسماع همومهم وقضاء حوائجهم ,ويقول لابنِهِ الحسنِ (عَلَيهِ الّسَلامُ) (لا تَلُمْ إنساناً يَطلُبُ قُوتَهُ، فَمَن عَدِمَ قُوتَهُ كَثُرَت خَطاياهُ . يا بُنَيَّ، الفقيرُ حَقيرٌ لا يُسمَعُ كلامُهُ، ولا يُعرَفُ مَقامُهُ، لو كانَ الفَقيرُ صادِقاً يُسَمُّونَهُ كاذِباً، ولو كانَ زاهِداً يُسَمُّونَهُ جاهِلاً. يابُنَيَّ، مَن ابتُلِيَ بالفَقرِ فقدِ ابتُلِيَ بأربَعِ خِصالٍ: بالضَّعفِ في يَقينِهِ، والنُّقصانِ في عَقلِهِ، والرِّقَّةِ في دِينِهِ، وقِلَّةِ الحَياءِ في وَجهِهِ، فَنَعُوذُ باللّهِ مِن الفَقرِ (وقول الرسول (ص) (اللّهُمَّ أحيِني مِسكيناً، وتَوَفَّنِي مِسكيناً، واحشُرْنِي في زُمرَةِ المَساكينِ,والفَقرُ فَخري، وبِهِ أفتَخِرُ) صوت أمي ظل محفوراً ومنقوشاً في أعماق ذهني,لم يتأثر بالأعاصير والرياح العاتية بعكس ما يكتب على الرمال ليختفي مع مد وجزر البحر, بكاؤها الذي لم يفارقها طيلة عمرها بسبب قسوة الظروف الصعبة التي ألمت بها جراء سلطة الخوف والقمع التي لم تفارق حياتها وحياة الملايين من الأمهات الصابرات المحتسبات ,من هذا الشعب الذي قدر له ان يعيش الموت في كل لحظة ,وان تسلب حريته وأرادته عنوةً دون رحمة, فليس لديهم بعد كل ما فقدوه من أحبتهم وتهاوت احلامهم وامنياتهم ,وحتى لا يفقدوا بصيص الأمل في مستقبلهم
|