هل نحن احفاد الثيران المجنحه ؟ ام احفاد اجلاف الصحراء ؟

ربما للوهلة الاولى ستقولون : نحن العراقيون لا نمت بصلة الى الحضارات العراقية الضاربة في القدم كالاشورية و البابلية و السومرية و غيرها ، و اننا جئنا على ظهور الخيول و الجمال فاتحين من شبه جزيرة العرب حيث اقصى غاية الانسان هو خيمة قرب نخلة و واحة ببضعة براميل من المياه ، لكن هناك صفات نمتاز بها نحن ، بغض النظر عن كل السلبيات التي عصفت بمجتمعنا ، و هي تميزنا تمام التمييز عن شعوب الجزيرة العربية التي لا تزال هناك تتباهى باصلها العربي .

و من اهم ما رايته كفرق بيننا و بين اولئك ، تعامل العراقيين مع الخدم الاجانب كمثال ، و الفرق الشاسع بينه و بين تعامل الخلايجة معهم ، لم ار حتى الان و لم اسمع ، ان عراقيا اقتنى عاملا ( حتى اننا نستحي ان نسميهم خدما ) و عامله بتقصير او اهانة او قسوة كما يعاملهم " ابناء العز و الترف " من عرب الجزيرة العربية الذين ينبغي ان يتميزوا بمواصفات " اسلامية " تحتم عليهم التعامل مع هؤلاء العمال معاملة انسانية ، و على العكس ، فان اولئك " العربان " لا يزالون يهينون و يقسون على اولئك المساكين الذين لا حول لهم ولا قوة ، فيما ننظر نحن العراقيون ، و مثلنا المصريون ايضا ، لهم على انهم جزء من عوائلنا ان هم التحقوا بالعمل لصالحنا .

التباين في التعامل هذا ، يعكس ان الانسان ذو الماضي الزاخر بالفخر و الاعتزاز بالنفس يعامل من هم تحت سيطرته بشرف ، فليس التعامل المهين مع من هم ادنى هو ما يعلي من شأنه ، اما " جلف الصحراء " الذي تعلم بالامس القريب كيف يجلس على الاريكة و يستخدم الحمام ، فقد وجد نفسه فجأه محاطا بالسيارات الفارهة و القصور الشامخة ، و هذا طبعا سيجن جنونه و يدفع به الى اهانة من هم ادنى ليسد عقدة النقص في داخله .

مثال اخر ، عندما تذهب الى احد مواسم الحج فان كافة احتياجاتك تتوفر لك بفضل ما في جيبك ، الطائرة و التاشيرة و الفندق و الماكل و المشرب ، و في النهاية تجد ان تلك الدولة تحملك " منية " تنظيمها لموسم الحج السنوي ، ناسيةً جنيها مليارات الدولارات مقابل شعيرة اسلامية في بلد اسلامي ، و حتى ان قدم لك شئ ما مجانا ، فان صاحبه يقدمه لك لخلفية دينية فقط ، لا لخلفية انسانية .
اما في بلاد كالعراق ، و رغم مستوى الدخل المحدود بشكل عام ، فحينما يكون هناك زيارة دينية او شعيرة من هذا القبيل ، تجد البسطاء و الفقراء قد وضعوا عوزهم جانبا ، و توسلوا اليك و انت في طريقك الى ان " تشرفهم " انت الذي لا تعرفهم و لا يعرفونك ، الى موائدهم لتاكل منها ، بل انهم سيكونون اكثر و اشد حفاوه ان كان ضيفهم اجنبيا او من ديانة او طائفة اخرى ، بل انك تتضايق احيانا لشدة الحاحهم بان تكون ضيفهم هذه الليلة !

قد يقول البعض ، ان الكرم اصلا صفة عربية ، اقول : ان كان عرب الجزيرة الحاليين يمتون بصلة قوية الى عرب الامس ، فلم هذا التحول في التعامل ؟ و لم نحن العراقيون في بلد وصله العرب متاخرين نسبيا نتصف بصفات العرب تلك اكثر من العرب الاكثر تمسكا بعروبتهم منا ؟

بصراحة ، اجد ان ربطنا بحضاراتنا القديمة اكثر شرفا لنا من ارتباطنا بالعروبة ، و سياتي اليوم الذي تستخدم به تقنية الدي ان ايه كما استخدمت في مصر ، لتظهر النسيج الحقيقي للشعب العراقي و اصوله الضاربة في عمق التاريخ ، حيث لم يكن هناك " فاتحون عرب " بعد .