قَلَم السُلطة .. يكتبُ جميع الألوان

 بداية الستينيات ، كنتُ في إبتدائية السلام ، القريبة من معمل قُمصان ( ألفا ) ، في بغداد .. وكانَ مُعّلمنا ، يملك قلم جاف يُؤَشِر بهِ على دفاترنا ، قلماً عجيباً في ذلك الزمان ، حيث يكتب بِلَونَين : الأزرق والأحمر ! . نحن التلاميذ لم نكُن قد رأينا مثل ذلك القلم من قَبل ، فكان حديثنا في الفُرَص بين الدروس ، يدور حَول القلم العتيد . في صباح اليوم التالي ، قال صديقنا سمير مُتفاخِراً ، أنه يملك قلماً ، يكتبُ عشرة ألوان ، وليسَ لونَين فقط مثل قلم الأستاذ ! . فضحكنا عليهِ وعلى كلامهِ المجنون . لكنهُ أصّرَ وقال مُتحدِيا ، أن القلم معه الآن ويستطيع أن يثبت ذلك . فأخرجَ من حقيبته قلم رصاص عادياً وورقةً ، وكتبَ : أحمر / أصفر / أخضر ... الخ . وقال ضاحكاً وساخراً : ألَم أقُل لكم أيها الأغبياء ، أن قلمي يكتب كُل الألوان ؟! " .
...........................
الحُكام المُتربعين على السُلطة ، في بغداد وأربيل ، طيلة السنوات الأحد عشر الماضية ، يتصرفون معنا .. مثل مافعلَ سمير ونحنُ أطفال صِغار . نعم .. السُلطات تضحكُ على سذاجتنا وتسخرُ من جهلنا . صديقنا سمير ، كانَ مولعاً بالمقالب البريئة التي لا تُؤذي أحداً .. لكن حُكامنا يَدّعونَ ان ( قَلَمهُم ) يرسم قوس قُزَح بألوانهِ الزاهية .. فنكتشف لاحقاً ان ذاك القَلَم لايكتب إلا بالأسوَد الكئيب ! .
المالكي ، طالما قالَ في خُطبهِ ولقاءاته وكلمات أربعاءه ، انهُ على وشك القضاء على الإرهاب وأنه وّجهَ ضربات ماحقة الى الفساد والفاسدين وأن إبنهُ أحمد سوبرمان .. لكن الواقع أثبتَ ، بُطلان كُل ماكانَ يتشدق بهِ .. وأن العراق تراجعَ في عهدهِ الميمون ، في كافة المجالات : الأمنِية والخدمية والإقتصادية والسياسية . وأن فترتهُ كانتْ أسوأ وأسوَدَ الفترات !. ورُبما كان المالكي يقصد ، إختصار العراق بطويريج والمنطقة الخضراء ، فوضعهما جيد ! . 
والشهرستاني ، قال قبل سنواتٍ ان العراق ، سوف يُصّدِر الكهرباء الى دول الجوار المسكينة .. وكما يبدو فأنهُ كان يعني : دولة الخلافة الإسلامية في الموصل وتكريت والفلوجة والحويجة .. فبالفعل ، ان العراق يُزّوِد الدولة الداعشية الجارة بالكهرباء ! .
رئيس الأقليم ، قالَ قبل سنوات انه يقود حملةً للقضاء على الفساد بأنواعهِ ، في الأقليم .. وأنه سوف يُحاسب الفاسدين والمتجاوزين على القانون ، وقالَ بأنهُ مُستعِد أذا لم يُنَفِذ ما وعد بهِ خلال خمسة عشر يوم ، أن يظهرَ علناً على التلفزيون ويتحَمل المسؤولية . لكن يبدو أنهُ كان يقصد ( اليَوم .. في كوكب بَلفَلاتيا في طرف المجموعة الشمسية ، حيث " اليوم " يُعادِل عشر سنوات من سنيننا ) .. أي انه كان يقصد " خلال مئة وخمسين سنة " بعدَ عُمرٍ طويل ! .
رئيس وزراء الأقليم .. خَطَ قبل مُدةٍ طويلة ، بقلمهِ الذي يكتب جميع الألوان .. انهُ سوف يجعل من الأقليم دُبَي وحتى أحسن من دُبَي ، وأيضاً .. كل مواطن ستكون له حّصة من واردات النفط . وكما يظهر ، فأنه لم يُحّدِد : دُبَي .. في أية سنة ؟ يُقال انهُ كانَ يقصد وضعية دُبَي في 1970 وليسَ الآن .. ومن الواضح ان أربيل اليوم أفضل كثيراً من دُبي قبل 44 سنة ! . كذلك ، فأنه كان يُشير الى ان : كُل مواطِن سيتحمل حصّته من نتائج السياسات النفطية والإقتصادية .. حيث بات يستلم راتبه الشهري ليس كُل ثلاثين يوماً ، بل كُل تسعين يوم ! .
........................
المُشكلة .. أنهُ ما زالَ الكثير من الناس السُذّج ، يُصّدقونَ ان السُلطة ، تستطيع رسم قوس قُزح جميل ، بواسطة قَلَمها الذي لايحتوي إلا على حبرٍ أسوَد ! .