ليس بالامکان أبدا حصر قدر و إرادة و مصير شعب بأکمله في ظل زعيم يبرز من بين صفوف أبنائه، ذلك أن قدر الشعوب في الخلاص من الاستبداد و القمع و نيل إرادتها الکاملة في الحرية مهما کلف الامر، رغم أننا نميل الى القول بأن الزعيم وفي فترات و مراحل ما بإمکانه أن يختصر العامل الزمني و يوفر على شعبه"بفطنته و دهائه"إراقة الدماء و تقديم التضحيات المعنوية و المادية، وهو أمر نجده يتجسد فيما قدمه المهاتما غاندي و کذلك المناضل البارز نيلسون مانديلا لشعبيهما. وهناك نماذج إنسانية مثالية أخرى في تأريخ الزعامات السياسية في العالم الثالث أيضا حيث أن العالم کله يتذکر الموقف النبيل و الشهم للزعيم جوشوا نکومو عند إعلان إستقلال زيمبابوي حيث لم يعمد الى مواجهة غريمه و خصمه روبرت موغابي من أجل الصراع على السلطة وانما أعلن و بمنتهى الشفافية و روح الحرص و المسؤولية إنسحابه من الساحة و ترکه الامر لموغابي حبا بشعبه، هکذا نماذج ستبقى الى الابد ولن تمسحها الايام من ذاکرة الانسانية على مر التأريخ، في حين أن"المتمسکين"و"المتعلقين"بأوهام الزعامة و اسمالها الموروثة عن آبائهم و أجدادهم سوف لن يکون لهم نفس ذلك الحظ بل وعلى العکس تماما إذ أن التأريخ لايرحم وان الذاکرة الانسانية المعاصرة ثاقبة و حادة في تمحيصها لحقيقة زعم"إدعياء"الزعامة. في عام 1992، وعند إعلان نتائج الانتخابات في إقليم کردستان و التي يقال أن الحزب الديمقراطي الکردستاني فاز بفارق ضئيل فيها، توترت و تلبدت و تکهربت الاجواء، حيث أن الاتحاد الوطني الکردستاني"وکما قيل أيضا"، لم يقبل بالنتيجة، ولما لم تکن الاجواء تسمح بعد بالمواجهة فقد إتفق الطرفان على مبدأ الفيفتي فيفتي، و تقاسما الامر کارهين منذ ذلك اليوم و لحد هذا اليوم، ولم يك أي من الزعيمين يود أن يکرر"خطأ"نکومو القاتل و يترك الساحة حبا بشعبه، وانما ظل الطرفان يرقصان على أکتاف الموتى و يصنعان أمجادهما من بؤس و معاناة الاخرين. في إقليم کردستان، حيث يزعمون بأن للقانون سيادة وان حقوق الانسان مصانة و مؤسسات المجتمع المدني قائمة، وبين کل فترة و اخرى تخرج جوقة من الاراجوزات المنتفعة لتطبل و تزمر و تغرد بمکاسب و إنجازات"واحة الديمقراطية" المزيفة في کردستان، والحقيقة انه ليس هناك إلا لون واحد هو لون الزعيم السائد في الرقعة الجغرافية التابعة له، وان کل شئ يقاس و يفسر و يتم تأويله وفق طروحات ذلك الزعيم"القائد"، فالقائد الحزبي عندما يختفي من الاطار الحزبي يجب أن يظهر بالضرورة کرئيس ولايهم ان کان للجمهورية او الاقليم او مجلس الوزراء، المهم تکون صفته"رئيسا"، وحتى لو إختفى من واجهة الرئاسة هنا، فإن زعامة الحزب ستعود لتکون ليس فقط في مقابل رئاسة الدولة وانما أعلى کعبا و مقاما منها، ومع کل هذا الفکر"المنحرف"و"الشاذ"، فإنهم يتحدثون عن الديمقراطية و حقوق الانسان و مؤسسات المجتمع المدني، وهي"اسماء ليست لنا سوى ألفاظها أما معانيها فليست تعرف" ولنا أکثر من عودة لهذا الموضوع الکئيب!
|