الطابور السادس ..!!

أفرزالعقد الماضي شريحةً جديدة في المشهد العراقي , تتكون في الغالب من النخب السياسية للأحزاب المتنفذة وقادة أذرعها الساندة والحلقات العليا التي تقف ورائها , اضافة الى من تعتمدهم في ادارة المؤسسات الأقتصادية التي أنشأتها للأستحواذ على المال العام , بطرق غير مشروعة وتحت عناوين أعادة البناء والتعمير التي لازالت نسبه الهزيلة ومستويات نوعيته خير دليل على نوايا المخططين له والقائمين على تنفيذه .
المنتسبون لهذه الشريحة فرضت عليهم ظروف أوضاعهم الجديدة الابتعاد شيئاً فشيئاً عن الفضاء الشعبي الذي كانوا ينتسبون اليه , بحكم أنتقالهم الى مواقع السلطة التي توفر الثروة , نتيجةً للفساد الذي استشرى سريعاً كالسرطان , وكان أختيارهم لمواقع المسؤولية أحد اسبابه ونتائجه لاحقاً كمتلازمة لامناص من الاعتراف بها شاؤا أم أبوا , أضافة الى الآليات والخطط الواجبة لحمايتهم نتيجة الوضع الأمني المتدهور لاسباب عديدة , ربما أهمها هو ضعف القيادات .
هذه الشريحة التي تمثل المنطقة الخضراء مركزها الرئيسي , لها فروعها في جميع المدن العراقية بحجوم تتناسب مع أهمية المدينة وعدد سكانها وموقعها , وهي تختار المضافين اليها أعتماداً على ولائهم لقيادات المنطقة الخضراء والقيادات الموازية , التي تزكيهم وتمنحهم كارت الانتساب الافتراضي الذي لابد منه للارتقاء الى المناصب لاحقاً .
الخطورة في تنامي هذا الـ ( التكوين ) الغريب على أدبيات السياسة والأدارة معاً , هو تحوله الى منهج متفق عليه من الأطراف المتنفذه , للمحافظة على مواقعها في السلطة , رغم قناعاتها بفشله في تحقيق نتائج يمكن الدفاع عنها طوال سنوات أعتماده , والفشل المقصود هنا هو ليس الفشل الاقتصادي فقط , انما الفشل في حماية أرواح المواطنين الذين أنتخبوا هذه القيادات في دورات متعاقبة لم يجنوا منها سوى الخيبات , فيما كانت هذه الشريحة تجني مكاسبها المتحققة من مواقع القرار على حساب آلام الشعب وتضحياته .
لكن الأهم من كل ذلك هو تنامي القناعات لدى قادة هذه الشريحة في الجسد العراقي , بأن منتسبيها هم وحدهم الأقدر على شغل المناصب من بين الخمس وثلاثين مليون عراقي , وبرز من هؤلاء أكثر من نموذج تنقل في المناصب بين وزارات لايجمعها جامع , وكان في كل وزارة يقدم رؤيته ( السوبرمانية ) كأنه المنقذ , والنتائج في النهاية يعرفها العراقيون , ولم يتعض القادة ولاوزرائهم من تجاربهم ونتائجها المريرة على الشعب , ولازالوا يبررون تلك النتائج باساليب وحجج واهية , ومجندين قواهم الاعلامية في تبنيها والدفاع عنها , دون أن يحسبوا حساباً للغد الذي سيعريهم ويقذف بهم الى زوايا كانوا يعتبرونها آخر عنوانِ يليق بالدكتاتور المقبور وأعوانه .
هؤلاء الذين أفسدوا على الشعب أحلامه وأمانيه في حياة كريمة وآمنه يستحقها بعد عذابات الدكتاتورية البغيضة , حين قدموا مصالحهم في الجاه والسلطة والثروة على حقوق شعبهم الذي أنتظرهم طويلاً وساندهم وضحى بأعز مايملك ليضعهم في مواقع القرار , والذي وصل بهم الحال والمآل الى أن يكونوا منفصلين عنه في ( محميات ) ومواقع حكم تذكره بأساليب الأحتلال , وبأداء ضعيف تحمل الشعب كل تبعاته , ربما أصبحوا أكثر خطراً على العراق من الطابور الخامس الذي كان مفهوماً ولائه للأجنبي على حساب المصلحة الوطنية , وتأسيساً على ذلك يكون مفيداً أن يُطلق عليهم ( الطابور السادس ) , تمييزاً لهم , فالخامس هنا ربما أقل مستواً في الاذى والنتائج من السادس , ومن يجد من المقصودين في التصنيف ظلماً له , فليقفز من خانته ولتكن قفزته نشطة يتجاوز بها الطابور الخامس ايضاً باتجاه الرفعة الى مستوى شعبه ولينظف أرديته من ملوثات المال المنهوب والمنصب الذي لايستحقه , وقد يعود الشعب يحترمه بعد أن عرف قدر نفسه .