بات اسم داعش يتردد على كل لسان في الشوارع والصالونات والمقاهي العربية والغربية وتكاد لا تجد صحيفة واحدة تصدر في بلدان العالم كله ، أو أية قناة تلفزيونية أو محطة |إذاعية أو أية وسيلة إعلامية أخرى، لا تذكر في صدر صفحاتها ونشراتها وتحليلاتها وأخبارها، في كل يوم تقريباً، هذا التنظيم الإرهابي واستعدادات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهته عسكرياً والبحث عن الإستراتيجية المناسبة لسحقه وتدميره ، فعلى ماذا يدل ذلك؟ قبل الإجابة على هذا السؤال يتعين علينا العودة قليلاً إلى الوراء لنتمعن بتاريخنا الحديث، وبالتحديد إلى العقدين الأولين من القرن العشرين المنصرم، حينما ظهر للوجود مفهوم الإسلام السياسي وهدفه المعلن إقامة دولة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة بحذافيرها كما وردت في النصوص الدينية الإسلامية المقدسة ، أي القرآن والسنة النبوية، بالقوة والقسر كدستور لدولة الخلافة، إعادة أسلمة المجتمعات . كان ذلك هو برنامج حركة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا، وتلقفها أنصاره من بعده إلى يوم الناس هذا، ومن رحمها ولد المسخ الذي تقلد عدة مسميات مثل القاعدة وداعش وغيرها. أما مفردات وتنويعات هذا الإسلام السياسي فقد توزعت جغرافياً وأيديولوجياً ومذهبياً على كامل رقعة العالم الإسلامي واختراقاته لدول العالم الأرضي برمتها، وترجمت على أرض الواقع بمسلك الإرهاب والعنف والبطش والهمجية والوحشية والذبح وقطع الرؤوس والترهيب والترغيب والقتل والتهجير الجماعي، خاصة تجاه الأقليات الدينية والطائفية وعلى رأسهم المسيحيين في الشرق والصابئة والأزيديين والشبك وغيرهم. فداعش ليست تشوهاً أو ورماً سرطانياً في جسد الأمة الإسلامية كما يدعي البعض، بل هي جزء لا يتجزأ من نسيجها وممارساتها وتاريخها المليء بالعنف والوحشية، ولو عدنا إلى الوراء أكثر لنمعن النظر في تاريخ العالم الإسلامي فسوف نعثر على أهوال ومشاهد دموية يقشر لها البدن . ففي مقال مهم للزميل توفيق شومان تحت عنوان: «داعش» وتاريخنا: هي منّا.. ونحن منها «، ذكر أمثلة تفوق الخيال واستند في مقاله لما ورد في كتاب «من تاريخ التعذيب في الإسلام»، للمفكر العراقي الراحل، هادي العلوي، منها: إن الحجاج بن يوسف (660 ـ 714 م)، كان يستمني كلما قتل أو أعدم أو سحل خصومه، في حين أن المعتمد بن عباد (1040 ـ 1095 م)، أقام مزرعة من الرؤوس البشرية المقطوعة في إحدى حدائق قصره في إشبيليا. ويروي المؤرخ البلاذري (توفي 892 م) في كتابه (أنساب الأشراف) أن مسلم بن عقبة، القائد العسكري المعروف خلال ولاية يزيد بن معاوية، استباح المدينة المنورة لثلاثة أيام، نهباً واغتصاباً وقطعاً للرؤوس، وأن آلافاً من الولادات غير الشرعية حصلت جراء «جهاد الاغتصاب»، ومع ذلك، حين قارب مسلم بن عقبة الموت، أشهد الله على إيمانه قائلاً: أللهم إنك تعلم أني لم أشق طاعة خليفة، ولم أفارق جماعة، ولم أعص إماما». وفي المأثور التاريخي الإسلامي، أن الحجاج بن يوسف، قتل وأحرق وصلب وذبح ما يتجاوز مئة ألف شخص، لكن سابقه، زياد بن أبيه (ت ـ 673 م) تعداه في الإثم والعدوان، عددا وأمثولات جهادية، ومن مشهورات أفعاله، كما يرويها المؤرخ الطبري (ت ـ 924 م) أنه كان يدفن معارضيه أحياءً، ويفقأ عيونهم، ويحرقهم على نار هادئة ثم يجز رؤوسهم، وكانت تأخذ منه نشوات القهقهة مأخذاً، حين يُطلق كلابه الجائعة على مسجونيه. ويعزى إليه، أولية إنزال عقوبة قطع اللسان في الدولة الأموية المتغلبة. فقد قطع لسان رشيد الهجري، ثم صلبه، لخلاف في العقيدة، وبحسب المرويات التاريخية أن زياد بن أبيه، أول من أباح قطع الرأس وحمله على السيف، وكان ذلك الرأس لعمرو بن الحمق، فجرت بعده العادة، كأنها ذهبت مثلا. وإذا كان الحرق، غير مألوف ومعروف في الجاهلية الأولى ولا في الإسلام الأول، فالخليـفة الأمـوي هشام بن عبد الملك (690 ـ 744 م)، أباحه واستكثر منه، مضيفا إليه قطع الأطراف، مثلما فعل مع غيلان الدمشقي، أو كما فعل عامله على العراق خالد القسري، مع الجعد بن درهم، حيث تم ذبحه وحرقه، وهو المصير نفسه الذي حل بالمغيرة بن سعيد وأتباعه، والحارث بن سريج وأنصاره، على ما يقول الطبري ويروي. وحين استحكم العباسيون وأصبحوا من ذوي الشوكة والغلبة، قتل أبو مسلم الخراساني (ت ـ 755 م) مئات الآلاف، وقيل إن آلاف المذبوحين غطوا بقاع الشام والعراق، ويروي أبو فرج الأصفـهاني أن أبا جعفر المنصور (ت ـ 776م) أوغل في الشناعة، فكان يدفن معارضيه أحياء حتى الموت، وبعـدما كـان تقـطيع الأوصال يجري دفعة واحدة، غدا في عهد الخليفة هارون الرشيد (ت ـ 810 م) أربع عشرة دفعة، وهذا بالضبط ما فعله الخليفة الرشيد ببشير بن الليث وفقا لرواية الطبري، وتشعبت أسباب الذبح والقتل من ولاية متغلبة إلى أخرى، وتراوحت بين سبب سياسي أو عقيدي، أو هروب من الجيوش، أو انعدام القدرة على دفع الخراج، أو لوشايات يصعب حصرها. وأبدع العباسيون والسلاجقة والمماليك والعثمانيون في فن التلذذ بضحاياهم، ومن أمثلة ذلك: ـ التشميس: ويعني ترك الضحية لمصيره تحت شمس حارقة حتى الموت. ـ المسمرة: ويعني دق المسامير في أيدي الضحية على جذوع الأشجار حتى يلقى حتفه. ـ الحشو: حشو أنف الضحية وعينيه وفمه بالتبن، حتى تخرج روحه من خلفه، إذ كان الاعتقاد سائدا، أن الروح تخرج من الفم، وبهذه الطريقة يسدون منافذ الروح التقليدية على ما يزعمون. ـ السلخ: ويعني سلخ جلود البشر وهم أحياء، وقد أورد ابن الأثير، أن الخليفة العباسي المعتضد بالله، (ت ـ 904 م) سلخ جلد معارضه محمد بن عبادة، وكذلك فعل السلاجقة بقيادة محمد بن ملكشاه، مع أحمد بن العطاش وأصحابه ممن وقعوا في الأسر. في العصر العباسي، شاعت طريقة سمل عيون الخلفاء لإسقاط خلافتهم شرعا، فالأعمى لا يحوز الولاية، وعلى ذلك، تم تعطيل أهلية القاهر بالله، بسمل عينيه من قبل ابن أخيه الراضي بن المقتدر، ومثل ذلك جرى مع المتقي لله، حيث سمل عينيه ابن عمه المستكفي، ولا يخرج عن السياق، الخليفة العباسي المتوكل (ت ـ 861 م) فقد ذبحه إبنه المنتصر، وكان ولي عهده، وقال فيه البحتري شعرا: أكان ولي العهد أضمر غدرة؟ / فمن عجب أن ولي العهد غادره السلطان العثماني مراد الأول (1326 م)، سمل عيني ابنه، صاروجي، بعدما نازعه الملك، على ما يقول محمد فريد بك المحامي، صاحب الكتاب المعروف «تاريخ الدولة العلية العثمانية»، فيما فاتح مدينة القسطنطينية (1453 م)، محمد الثاني، قتل أخاه الرضيع أحمد، في حين أن السلطان سليم الأول دس السم لوالده بايزيد الثاني واستولى على الحكم في العام 1512م، ثم قتل خمسة من أولاد إخوته، ولاحق أخويه أحمد وكركود فقتلهما في العام 1513. وفي معركة «غالديران» العام 1514 مع الشاه الصفوي إسماعيل، سُبيت زوجة الأخير، فأهداها السلطان سليم الأول لكاتبه، تبعا لما يقول محمد فريد بك المحامي. لم يخرج السلاطين العثمانيون، كما يقول المؤرخ خليل إينالجيك، في كتابه «تاريخ السلطنة العثمانية» (ترجمة محمد الأرناؤوط)، عما هو معروف بـ«قانون ناما» الذي وضعه محمد الفاتح، بعدما استحصل على «فتاوى شرعية» أجازت قتل الإخوة والأشقاء والأقارب حفاظاً على مصلحة السلطنة العليا، ويرد في القانون: «يمكن لأي من أبنائي، الذي سيهبه الله السلطنة، أن يتخلـص من إخـوته، وهو ما تقره غالبية العلماء»، ووفقاً لهـذا القانون، حيث يقرر الله مصير الممالك والملوك، فسليمان الأول قتل ولديه، مصطفى (1553) وبايزيد (1561)، وخنق مراد الثالث خمسة من إخوته، ومحمد الثالث (1595 ـ 1603) أعدم تسعة عشر من إخوتـه، وعثمان الثاني (ت ـ 1622) حـاز «فتـوى» مباشرة بقـتل شقيـقه الأكـبر محمد، واعتمد السلاطين العثمانيون حبس أشقائهم في غرف خاصة في القصور، وقد غدت تُعرف لا حقاً بـ«الأقفاص» وتمتد لسنوات. ولما دُعي سليمان الثاني للحكم، كان قضى أربعين سنة في «القفص»، إلى جوار الخصيان والجواري والعبيد، وبطبيعة الحال، بعد أن تؤول السلطة لسلطان السلطنة الجديد، يزور ضريح الصحابي أبي أيوب الأنصاري، ويؤم المصلين جماعة في أول يوم جمعة، يلي إعلان سلطانه. من نافل القول، إنه من الصعب حصر السير الشخصية للولاة المتغلبين أو إيجاز تاريخ تداولهم السياسة وإدارة الأمر، ولكن السؤال الذي يؤرق الحاضر، يكمن في الحيز المسموح والمطلوب لفصل القداسـة عن التاريـخ، ذاك التاريـخ الذي أعيـد إحياؤه ممـثلا بـ«داعـش» وخلافتها وشرائعـها القائمة على السبي والذبح والقتل باسم الشريعة وأحكامها". هذه لوحة شاملة وجلية للأساس التاريخي الذي تستند عليه داعش في ممارساتها الحالية وهي النقيض للفرح والحب والسعادة والتسامح والاطمئنان والأمان والإبداع، والرديف للخوف والهلع والرعب والحزن والكراهية والحقد والتعصب والعنف والوحشية والهمجية، وهذه هي حقيقتها التي لم يدركها الرأي العام العالمي بعد. فوسائل الإعلام لم تتناول سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد، أي تلك الشرذمة من المجرمين المعتوهين الذين يفتكون بالسكان أينما حلوا وهم بضعة آلاف يعملون كأداة تنفيذية لأيديولوجية أكبر وأخطر من أفعالهم الإجرامية اليومية ألا وهي إيديولوجية الإسلام السياسي ودولة الخلافة الإسلامية على غرار ما حصل قبل ألف وخمسمائة عام عندما انطلقت الدولة الإسلامية الفتية الأولى من بقعة منسية على الخارطة العالمية في شبه الجزيرة العربية هي يثرب، التي سميت بالمدينة فيما بعد ، لتكبر وتنمو ككرة الثلج المتدحرجة وتقضي على إمبراطوريات كبيرة كالامبراطورية البيزنطية والامبراطورية الفارسية وغدت في ظرف زمني قصير الإمبراطورية الأعظم في العالم في العصرين الأموي والعباسي، ومن ثم في العهد العثماني. وهذا ما تخطط له دولة الخلافة الإسلامية الحديثة داعش إذا لم يكبح جماحها أحد، فهي كالوباء الذي ينتشر عابراً الحدود والقارات.الغرب مذهول من هذا الانتشار السريع لدولة داعش الإسلاموية في مناطق واسعة من العراق وسوريا ومندهش من التأييد التي تحظى به هذه الزمرة الدموية من جانب كل الجماعات الإسلاموية الجهادية تقريباً ما عدا القاعدة التي ترى فيها منافساً يمكن أن يقضي على نفوذها في مجال الإرهاب العالمي. لم تنجح أمريكا في تدمير تنظيم القاعدة الإرهابي الدولي على عكس إدعاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما بل على العكس تمخضت القاعدة عن تنظيم أشد فتكاً وأقوى وأكثر وحشية وبطشاً وإرهاباً وإجراماً هو تنظيم داعش. لقد استعادة القاعدة أنفاسها في العراق وأفغانستان وسوريا واليمن وأفريقيا وليبيا وغيرها من دول العالم الإسلامي، خاصة بعد انسحاب القوات الأمريكية في العراق حيث استغلت ضعف القيادة السياسية في العراق واعتمادها على قادة عسكريين غير مؤهلين لمواجهة شراسة القاعدة وفروعها فحدثت الفوضى وفقد البلد سيطرته على اجزاء واسعة من الأراضي. فجيش أميركا لم يهزم داعش وكان آلاف العراقيين يقتلون بتفجيرات داعش شهريا حين كان هذا الجيش يحتل العراق من أقصاه إلى أدناه و معلوم أن بوش هو من جاء بالقاعدة تطبيقا لشعاره الغبي " نستدرج العدو إلى الميدان العراقي لنسحقه بعيدا عن شوارع نيويورك و واشنطن" ولكن القاعدة هي التي سحقت أجساد المدنيين العراقيين بفضل سياسة أميركا. وفي سوريا مازال الغرب مصراً على محاربة النظام وتجاهل إيران وتقديم الدعم والتسليح للإرهابيين في جبهة النصرة والجبهة الإسلامية رغم اعتراف نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن واتهامه لحلفائه في التحالف الجديد بأنهم هم من دعم ومول وسلح داعش والنصرة والتنظيمات التكفيرية الأخرى التي حولت سوريا الى جحيم وخراب منذ أربع سنوات. ففي كلمة ألقاها يوم الخميس 2 تشرين الاول / اكتوبر في جامعة هارفارد في ولاية ماساتشوستس الامريكية قال بايدن : "مشكلتنا الأكبر كانت في حلفائنا بالمنطقة، الأتراك كانوا أصدقاء رائعين وكذلك السعوديون وسكان الإمارات وغيرهم. ولكن ماذا فعلوا؟ كان همهم الوحيد هو إسقاط الأسد وخاضوا حربا بالوكالة بين السنة والشيعة، وقدموا مئات ملايين الدولارات وعشرات آلاف الأطنان من السلاح لكل من وافق على القتال ضد الأسد". هذه الالاف المؤلفة من أطنان الأسلحة ومئات الملايين من الدولارات وصلت بالتحديد ، وباعتراف بايدن ، الى التنظيمات التكفيرية الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي ، حيث قال ما نصه : ان "الناس الذين حصلوا على المساعدة كانوا مسلحي "جبهة النصرة" و"القاعدة" وعناصر متطرفة قادمة من مناطق أخرى في العالم. أتعتقدون أنني أبالغ؟ أنظروا بأنفسكم إلى النتيجة". وكان يقصد بالعناصر المتطرفة أنصار تنظيم داعش من الأجانب والعرب والعراقيين والسوريين بالطبع. وفي محاولة للتخفيف من وقع هذا الاعتراف الصاعق سعى بايدن عبر التأكيد ، وبشكل لا يخلو من سذاجة ، على أن هؤلاء الحلفاء ندموا على فعلتهم وانخرطوا في التحالف المناهض للإرهاب للتكفير عن ذنوبهم ، فهم الآن ، وفقا لتعبير بايدن :"يعون خطأهم ووافقوا على الانضمام إلى التحالف الدولي المعادي للإرهاب .. كلهم على غير انتظار، فهموا ما يجري". إن أهمية ما قاله بايدن لا تكمن في أن الرجل كشف سرا ، فما قاله كان معروفا للجميع ، ولكن تكمن في إقرار المسؤول الثاني في الإدارة الأمريكية شخصيا وبشكل صريح وعلني بأن تركيا والسعودية والإمارات وباقي حلفاء أمريكا هم من كانوا وراء "داعش" و " القاعدة" والتنظيمات التكفيرية الأخرى، وإنهم من أشعل الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة. اعترافات بايدن ، جاءت كما يبدو كمحاولة لترميم صورة أمريكا وتركيا والسعودية والإمارات وقطر والأردن وباقي الحلفاء ، التي تضررت كثيرا أمام الرأي العام العالمي ، بعد أن تبين إن هذه الدول كانت من اكبر داعمي وممولي مسلحي "داعش" و القاعدة والتنظيمات التكفيرية ، في الوقت الذي كان قادتها وإعلامها يخدعون شعوبهم وشعوب العالم، بطبيعة المهمة التي كانوا ينفذونها في سوريا، لذا جاءت الاعترافات كنوع من النقد الذاتي والاعتراف بالخطأ، ولكنه اعتراف يحمل الحلفاء دون أمريكا مسؤولية ما حدث ويحدث في سوريا ، وكأن أمريكا لم تكن تعلم بما كان يخطط له الأمير بندر بن سلطان في سوريا بعد إن سلمه الملك عبدالله الملفين السوري والعراقي ، والرجل معروف لدى الدوائر الأمريكية بارتباطه الوثيق بالمجموعات التكفيرية التي طالما استخدمها كسلاح في خدمة المصالح السعودية. هو إذن مخطط جهنمي اُعد له في غرف مظلمة في واشنطن والرياض وأنقرة ، لضرب استقلال واستقرار البلدان العربية، وخاصة سوريا والعراق ومصر وتونس وليبيا والجزائر. يمكننا القول على ضوء ما ذكرناه أعلاه، أن ظهور القاعدة وداعش وأمثالهما وتضخمها المذهل إن هو إلا إشارة لتشابك عدد من الإخفاقات البنيوية لسياسة الغرب المتجذرة فيه منذ العهد الاستعماري، في تعاطيها مع العالم الإسلامي. وكردة فعل لإطاحة الغرب بالخلافة الإسلامية أو ما تبقى منها في الدولة العثمانية حيث ظهر الفكر الجهادي ونما وتطور في أرض خصبة تتوسل تأويلاً منحرفاً لنصوص دينية تحث على الجهاد وقتال الكفار والملحدين والمشركين أينما وجدوا. وتحت هذا الشعار نشأت حركة الإخوان المسلمين، ومن ثم برزت حركات تكفيرية في مصر والجزائر واليمن وكذلك في الباكستان وأفغانستان ومن ثم في العراق وسوريا ترفع راية الجهاد الشامل ووضعه في مصاف السياسة الإستراتيجية العليا للحركات الإسلاموية الجهادية المختلفة. منها ما يدعوا للجهاد ضد الأنظمة المحلية في الدول الإسلامية الموالية والتابعة للغرب وأخرى تدعوا لمحاربة الغرب في عقر داره. الأولى تتبنى أطروحة إقامة دولة إسلامية تسمى دولة الخلافة تطبق فيها الشريعة وترغم السكان على الطاعة والخضوع وتطبيق التعاليم الإسلامية بقوة السلاح إذا تطلب الأمر وذبح وتهجير كل من يعارض ذلك، وهذه هي إستراتيجية داعش، والثانية تحبذ الانتشار الأخطبوطي في كل مكان في الأرض على شكل خلايا نشطة أو نائمة مبعثرة دون أن يكون لها موقع محدد ومعروف يسهل تشخيصه وتدميره على يد قوى الشر الكافرة، وهي إستراتيجية تنظيم القاعدة الإرهابي. وهما وجهان لعملة واحدة لا اختلاف بينهما سوى بالأسلوب ودرجة الهمجية في التعامل مع البشر. العدو المشترك لهذين التنظيمين الإرهابيين هو القوى الغربية والطائفة الشيعية وبقية الأقليات الدينية والمذهبية لا سيما مسيحيو الشرق. والأنظمة المحلية الفاسدة والموالية للغرب. ولقد تمكنت هذه التنظيمات الراديكالية المتطرفة والتكفيرية أن تستقطب وتكسب ولاء وبيعة عدد من التشكيلات الاجتماعية السكانية مثل الطوارق في مالي وسنة اليمن ومسلمو شمال نيجيريا والتنظيمات الإسلاموية المسلحة في أفغانستان والباكستان، وجزء كبير من سنة العراق وسنة سوريا، سواء طوعاً أو قسراً . فبريطانيا وفرنسا استخدمتا سياسة فرق تسد في القرن العشرين عندما كانتا تمثلان القوتين الاستعماريتين الأقوى والأشرس في ذلك الوقت، ومن ثم سلكت الولايات المتحدة الأمريكية، وريثتهما الطبيعية، نفس السياسة ولعبت على الاختلافات السنية الشيعية في العالم الإسلامي والتي انعكست بوضوح في تعاطيها مع الملفين السوري والعراقي. ففي العراق ساندت الشيعة مما جعل السنة يشعرون التهميش والاستياء والغضب والشك والحذر ، وفي سوريا ولبنان ساندت السنة ضد الشيعة والعلويين مما زاد من صعوبة وتعقيد المشهدين السياسي والميداني، في دمشق وبيروت. للبحث بقية
|