التحديات التي تواجه جهود استرداد اموال العراق المنهوبه

 ادت التطورات العالمية مجال العلاقات الدولية خلال العقد المنصرم الى نشوء تيار قوي يدعو الى مكافحة الفساد المالي والاداري والارهاب وغسيل الاموال كان من نتائجه ابرام العديد من الاتفاقيات التي تدعو الى تعزيز التعاون الدولي في هذا المجال وحرية انتقال وتبادل المعلومات في كافة الاصعدة وكان من هذه الاتفاقيات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي انضمت إليها معظم دول العالم ومن بينها العراق . كان انضمام العراق لهذه الاتفاقية بداية لمرحل مهمة من جهود الدولة العراقية في استعادة الاموال التي تم تهربيها الى الخارج سواء تلك التي حدثت قبل عام 2003 من قبل اركان النظام السابق او التي حصلت بعد ذلك التاريخ والتي قدرتها بعض الجهات التي عملت في هذا المجال باكثر من 200 مليار دولار امريكي .

لقد بدأت هيئة النزاهة العراقية جهودا في هذا المجال تمثلت بانشاء دائرة خاصة للتعامل مع ملف استرداد الاموال المهربة الناتجة عن جرائم الفساد الاداري الا ان هذه الجهود ستصطدم حتما بعقبات قانونية وسياسية داخلية وخارجية يجب العمل على تذليلها قبل الانطلاق في تعقب تلك الاموال. 

من اولى تلك العقبات واهمها هي العقبات القانونية سواء المتعلق منها بالقانون الوطني العراقي او المتعلقة بالاتفاقيات الدولية او القوانين الداخلية للدول المستقبلة لتلك الاموال .

فاذا نظرنا الى القانون العراقي نجد ان قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 وتحديد في المادة  247 قد نص على(آ .متى قبض على محكوم عليه غياباً بالاعدام او بالسجن المؤبد او المؤقت او سلم نفسه الى المحكمة او أي مركز للشرطة فتجرى محاكمته مجدداً وللمحكمة ان تصدر عليه أي حكم يجيزه القانون ويكون قراراها تابعاً للطعن فيه بالطرق القانونية الاخرى.) اي ان الحكم الصادر غيابيا في الجنايات اذا كانت العقوبة فيه سجنا مؤبدا او مؤقتا لايعتبر حكما نهائيا  فهو عرضه للطعن فيه في حال القاء القبض على المتهم او قيامه بتسليم نفسه وهو حكم لا يمكن تنفيذه حتى لو كان قطعياً، لأن بإمكان المتهم الطلب بإعادة المحاكمة في حال عودته للبلد.وحيث ان كافة القوانين الوطنية او الدولية التي تناولت هذا الموضوع اشترطت ان يكون الحكم الصادر نهائيا وباتا فهذه العقبة تعتبرا تحديا كبيرا امام المشرع العراقي وامام الاجهزة المعنية بملف استرداد الاموال المنهوبة لمعالجته والا يكون سلاحا بيد المجرمين للهروب من يد العدالة .

اما اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2005 فقد خصصت المادة 54 من الاتفاقية للحديث عن التدابير التي يجب على الدولة طالبة الاسترداد القيام بها قبل التقدم بطلب الاسترداد فقد اوجبت تلك المادة على الدولة طالبة الاسترداد ومن خلال أجهزتها القضائية فقط وبناء على أدلة ثابتة ضد من يطلب تجميد واسترداد أموالة بالخارج اتخاذ ما قد يلزم من تدابير قضائية بتجميد أو حجز لممتلكات، بناء على أمر تجميد أو حجز صادر من المحكمة لوجود اتهام جنائى عن جرائم فسادوكذلك اشارت الى وجوب أن يكون هناك فى التحقيقات ما يوفر أساس واعتقاد لدى الدولة المطلوب منها تجميد أرصدة وممتلكات من يخضع للمحاكمة عن جرائم فساد ما يطمئن تلك الدولة بأن اكتساب تلك الأموال قد تم  بطرق غير مشروعه‏، و.‏بأن تلك الممتلكات ستخضع في نهاية المطاف لأمر المصادرة وان يتم مراسلة ومخاطبة الدول التى لديها تلك الأموال بموجب طلبات مشفوعة بمستندات عبارة عن ما تم من تحقيقات وأدلة مادية تؤكد بأن الأموال التى لديها باسم ذلك الشخص رهن المحاكمة هى أموال اكتسبت بطرق غير شرعية ووليدة جرائم فساد. واذا نظرنا الى هذه المادة تبرز لدينا مشكلة كبيرة تتعلق باموال النظام السابق كون الاحكام التي صدرت على افراد النظام السابق قد صدرت عن المحكمة الجنائية العراقية العليا وهي محكمة لم تكن جزء من النظام القضائي العراقي الاعتيادي لذلك فسوف يثار دائما التساول ما اذا كانت احكام تلك المحكمة تتماشى ومتطلبات المادة 54 من الاتفاقية وهو تساؤل يجب على القائمين على ملفات الاسترداد الاستعداد للاجابة عليه وخصوصا ان الاموال التي ترتبط بهذا الملف اي ملف اموال النظام السابق تقدر بمايزيد على مائة مليار دولار . بالاضافة الى المحاولات التي يبذلها كبار المتهمين للتشكيك بنزاهة القضاء العراقي ومحاولة اظهار اي قرار تتخذه المحاكم العراقية على انه قرار مسيس استعدادا منهم لاستخدام هذا العذر امام المحاكم الاجنبية للهروب بما كسبوه من اموال السحت الحرام .

فيما يتعلق بالقوانين الوطنية الخاصة بالدول المطلوب منها استرداد تلك الاموال فهي تخضع للمادة 55 من الاتفاقية الدولية التي اوجبت على تلك الدول ان تتخذ الاجراءات الكفيلة بالكشف عن الأموال أو الممتلكات التى باسم الشخص محل طلب التحفظ واقتفاء أثرها وتجميدها أو حجزها، بغرض مصادرتها في نهاية المطاف بأمر صادر إما عن الدولة الطرف الطالبة وإما عن الدولة الطرف متلقية الطلب ويجوز للدولة متلقية الطب رفض التعاون أو إلغاء التدابير المؤقتة إذا لم تتلق تلك الدولة  أدلة كافية أو في حينها أو إذا كانت الممتلكات ذات قيمة لا يعتد بها. تقوم الدولة متلقية الطلب باتخاذ القرارات أو الإجراءات وفقا لأحكام قانونها الداخلي وقواعدها الإجرائية أو أي اتفاق أو ترتيب ثنائي أو متعدد الأطراف قد تكون ملتزمة به تجاه الدولة  الطالبة ورهنا بتلك الأحكام والقواعد أو ذلك الاتفاق أو الترتيب . أن غالبية دول العالم تفرض شروطًا معينة لاسترداد هذه الأموال، ترتبط في معظم الاحيان بإجراء محاكمات عادلة وإثبات أن هذه الأموال نتاج عمليات فساد، بالإضافة إلى حصول الدولة طالبة الاسترداد على ممتلكات هؤلاء في الداخل وان تتم عملية استعادة الأموال والأصول المسروقة بشكل قانوني، حيث انها تتذرع احيان كثيرة بحقوق الانسان التي تمنع تجريد شخص من أمواله وممتلكاته وارسالها إلى دولة أخرى دون أن يكون مدانا أو صدر قرار رسمي بمصادرة هذه الممتلكات . كما ان تلك الدول لايمكنها اتخاذ قرار تجميد أي من تلك الاموال لمجرد الاشتباه ودون قرار قضائي. 

اما من الناحية التكنيكية فأن استعادة الاموال المنهوبة تعتبر عملية شاقة ومضنية، تتطلب التبحر في دهاليز القانون الدولي ومراحل تطبيق الاتفاقيات الدولية واسلوب التعامل مع القوانين الدولية وطرق انفاذها في القوانين الداخلية وضمانات التزام الدول الموقعه على تلك الاتفاقيات بنصوص الاتفاقيات الدولية والمسؤولية الدولية الناتجة عن اخفاق الدول بالتزام بنصوص وروح تلك الاتفاقيات والمباديء التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية في حل المنازعات الناشئة عن عدم الالتزام بها . كما ان عملية استعادة الاموال المنهوبة تتطلب الاحاطة الكاملة بمتطالبات القضاء الجنائي والمدني والإداري، وتعتمد على التعاون بين دول عدة وهيئات داخل كل بلد غالبا ما تكون غير قادرة ولا راغبة في تبادل المعلومات. وتتستر خلف الصعوبات التكنيكية للتهرب من التزاماتها القانونية مثل صعوبة إقناع المحاكم بتجميد واستعادة الأصول او بصعوبة تعقب تلك الاموال كونها تتخفى عبر شركات معقدة، يمكن لأصحابها تحمل نفقات أمهر المحامين. 

فعلى سبيل المثال قطعت الاتفاقية الدولية الطريق على الدول ومنعتها من الاختباء خلف حجة السرية المصرفية لعدم الامتثال لطلبات الاسترداد واوجبت عليها تخوِيل محاكمها أو سلطاتها المختصة الأخرى أن تأمر بإتاحة السجلات المصرفية أو المالية أو التجارية أو بحجزها. كما ان القوانين الاوربية منعت الدول الاوربية من حماية مواطنيها من حملة الجنسية المزدوجه من ملفات الاسترداد وبهذا فقد ازالت كل من الاتفاقية الدولية والقوانين الاوربية عقبة كبيرة طالما استفاد منها كبار المجرمين في تهريب اموالهم .

الا انه وبالرغم من هذا التعاون الدولي والاقليمي تبقى هناك عقبات تكنيكية كبيرة تعرقل جهود استرداد الاموال المنهوبة تتمثل في صعوبة تحديد موقع الأموال المتحصله من جرائم الفساد وربطها بالجريمة نفسها مما يستدعي ضرورة مراعاة تتبع مكان وجود تلك الاموال داخلياً وخارجياً بالتوازي مع بدء التحقيق في قضايا الفساد، حيث أن تأجيل الموضوع لحين الانتهاء من التحقيق وصدور قرار المحكمة بالمصادرة يعطي الفاسد فرصة لإخفاء الأموال والتستر على مكان وجودها بحيث يصعب استردادها.بالاضافة الى ضعف التنسيق بين الجهات الوطنية التحقيقية ووحدات التحقيقات المالية الامر الذي يؤدي إلى خلق حالة من الإرباك في جهود استرداد الأموال كالتنازع على الاختصاص النوعي بين المؤسسات مما يستدعي بناء القدرات المؤسسية في مجال التعاون الدولي واسترداد الأموال كونها مسألة جديدة في النظام القانوني الوطني والدولي حيث ان اختلاف الأنظمة القانونية القضائية بين الدول يجعل من الصعوبة اتخاذ القرار من قبل الدولة طالبة الاسترداد في الاستمرار في طلب الاسترداد من عدمه وكذلك صعوبة صياغة طلبات المساعدة القانونية ولغتها وأسلوب تقديمهاً وتبادل المعلومات بشأنها بالاضافة الى ضعف توفر الخبرات المتخصصة في موضوع تتبع الأموال وحجزها وتجميدها وإدارتها أثناء فترة التجميد لحين مصادرتها.

علما بان بعض الدول ، المملكة المتحدة على سبيل المثال ، منحت الدول طالبة الاسترداد الفرصة للحصول على استشارات مجانية من جهات قانونية مثل وحدة العون القضائي في وزارة الداخلية او النيابة العامة البريطانية بشأن افضل وسائل استرداد الاموال.

مما تقدم نرى بانه على الجهات المعنية بملفات الاسترداد العمل على 

تشكيل لجنة فنية تقوم بمتابعة الامر واجراء الاتصالات تضم في عضويتها خبراء في القانون الدولي والجنائي والاداري والمالي بالاضافة الى خبراء في مجال الاقتصاد والسياسات المالية والعلاقات الدولية للعمل على تذليل العقبات القانونية وبناء اتصالات مع الاجهزة الدولية العاملة في مجال مكافحة الفساد المالي .

تشكيل لجان مختصة من مديرية مكافحة الجريمة الاقتصادية في وزارة الداخلية ومديرية مكافحة غسيل الاموال في البنك المركزي العراقي بالاضافة الى خبراء من هيئة النزاهة تقوم بمهمة رصد الشركات التي تمت باسهمها معاملات تهريب الاموال وتقصي الحقائق حولها ومحاولة متابعة الحسابات والقنوات التي من خلالها تدفقت الاموال للوسطاء والعملاء المختلفين .

تشكيل لجنة من وزارة الخارجية ووزارة العدل ووزارة المالية وهيئة النزاهة للاستفادة من التوجه العام السائد دوليا في مكافحة جريمة الفساد المالي والذي تعزز باتفاقية الامم المتحدة لعام 2005 والقوانين الاقليمية والوطنية مثل قانون دوفيليه في سويسرا والمسمى على اسم  دكتاتور هايتي السابق وتم بموجب هذا القانون تجميد أموال تحت اسماء كثيرة وشركات مختلفة لكل من حسني مبارك وعلي زين العابدين. ويمكن الاستفادة من الجو العام السائد حاليا في اروبا وسويسرا وحتي في بريطانيا. 

تشكيل لجان من المختصين من اساتذة القانون في الجامعات العراقية ونقابة المحامين واتحاد الحقوقين العراقيين بالاضافة الى منظمات المجتمع المدني للاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال مثل تجربة مجموعة "شيربا" التي تكونت في فرنسا بواسطة عدد من المحاميين وتعني هذه المجموعة بالشفافية وبمحاربة الفساد بواسطة الحكومات الديكتاتورية في افريقيا والعالم الثالث وقد اعترضت مؤخرا هذه المجموعة علي صفقات تمت بواسطة شركات تحمل اسماء عديدة ولكنها اسماء تخفي لاصحابها الحقيقين من رؤساء الدول واركان انظمتهم والتي حققت نجاحات في تعقب بعض ثروات الرؤساء الافارقة رغم تخفيها في شكل شركات غالبها مسجلة في عدة مناطق مختلفة من العالم .