عالم المستوطنين الصهيونيين من خلال رواية كيلاّ للصحافي اسعد العزوني/ جوني منصور-حيفا -فلسطين |
دأبت الحركة الصهيونية منذ تأسيسها على خلق واقع جديد في فلسطين من خلال أدوات متنوعة، وفي مقدمتها الأداة الديموغرافية، بحيث عملت على إحلال مئات بل ملايين المهاجرين – المستوطنين اليهود بعد سلسلة عمليات اقتلاع للفلسطينيين أهل وأصحاب البلاد الأصليين. وتعاونت الحركة الصهيونية بشكل مباشر مع قوى استعمارية عالمية في مقدمتها بريطانية التي سهلت عملية إقامة دولة اسرائيل بكل الأدوات التي توفرت لها، إلى جانب خيانة عدد من الأنظمة العربية الرجعية التي وقعت فريسة سائغة بيد الاستعمار. وكتب الكثير عن الأدوات التي استعملتها ولا تزال، الحركة الصهيونية في سبيل تحقيق مشروعها الاستعماري في فلسطين. وكان الصديق الصحافي الاستاذ أسعد العزوني قد أهداني روايته التي تحمل اسم "كيلاّ" اثناء زيارتي الاخيرة إلى عمان. والرواية كتبت في العام 1992، وحظيت بأن ترى النور في هذا العام 2014. وملخصها أن جونين البطل الرئيسي فيها من أصل روسي، قد عمل في المخابرات الروسية كي. جي.بي قبل هجرته إلى اسرائيل. واستقبلته مهاجرة روسية سابقة باسم نيشكا تعمل لصالح المخابرات الاسرائيلية، وتقيم في مستعمرة باسم "كيلاّ". تحاول نيشكا اغواءه بشتى الطرق لتسرق منه معلومات ولتقنعه بإحضار اخويه اللذين تركا روسيا متجهين إلى عالم المال في امريكا. وهي تعلم علم اليقين ان احضار اخويه يشكل رافعة قوية لحث المزيد من المهاجرين الروس للقدوم إلى اسرائيل بدلا من السفر إلى الغرب وبخاصة غلى الولايات المتحدة الامريكية. يراوغ جونين معها ويعدها بالزواج منها، لدرجة أنهما باتا زوجين مترافقين معا دون ان يعقدا عقد الزواج بينهما. وتعمل نيشكا كل جهدها ليرى جونين وجه اسرائيل الجميل. لكنه عندما يكون في القدس وغيرها من المواقع يكتشف مشاهد مغايرة توضح له زيف حقيقة اسرائيل وما تعكسه للعالم من مشاهد ايجابية وجيدة. ويلتقي جونين مع مهاجرة أخرى كانت قد اكتشفت الدعاية الصهيونية – الاسرائيلية وما تحويه من مغالطات وزيف ونفاق، فيقررا معا الاحتيال على المخابرات الاسرائيلية وعلى محيطهما ويتركان اسرائيل باتجاه امريكا ليجلبا وجونين بوجه خاص اشقائه ليعيشا ويستثمرا اموالهما في اسرائيل بدلا من تلك البلاد الغريبة عنهما، كما يروج ربابنة الصهيونية. لكن حقيقة جونين أنه لا يرغب البتة في العودة إلى اسرائيل ولا في حث اخويه وغيرهما من الهجرة إلى اسرائيل، وكل ذلك مؤسس على قناعاته وما رآه من معاملة المؤسسة الحاكمة تجاه العرب الفلسطينيين في مناطق عدة في فلسطين. إن هذه الرواية لتضاف إلى مجموعة كبيرة من النصوص العربية وبخاصة الفلسطينية التي عرفت كيف تغوص في عالم اسرائيل لتكتشف وتكشف زيف المشروع الصهيوني الذي صور اسرائيل البلد المنظم والمليء بالخيرات، والذي فيه يعيش المواطنون على مختلف انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية بوئام وديموقراطية، ما لا يجده المرء في اي بلد آخر في منطقة الشرق الأوسط، حيث ان اسرائيل هي واحة الديموقراطية والانفتاح. في حين ان الواقع هو مغاير لهذا الوصف الدعائي الاعلامي الذي لا تزال اسرائيل تنتهجه. من جهة أخرى، فإن معالجة وجود المهاجرين الروس في اسرائيل وما يحملونه من مخزون ثقافي وسياسي سابق من العهد الشيوعي – السوفييتي لم تجر معالجته بصورة عميقة سواء على مستوى البحوث التاريخية والسياسية والاجتماعية والنصوص الادبية. إلا أن تطرق العزوني إلى جانب من هذه الاشكالية يجعل الموضوع أكثر إثارة لحث المزيد من الباحثين والمهتمين بالشأن الاسرائيلي للعمل بجدية على إماطة اللثام عن المزيد من خفايا المجتمع الروسي المتكون في اسرائيل والمتكون في اوروبا الغربية وامريكا. صحيح، أن الهجرة الروسية في التسعينات من القرن الماضي إلى اسرائيل شكلت تحولا نوعيا في ميزان الديموغرافيا في اسرائيل لصالح المشروع الصهيوني، إلا أن المجتمع الروسي المتشكل من جديد في اسرائيل يسير نحو هيمنة سياسية واقتصادية ومهنية واجتماعية داخل المجتمع في اسرائيل ، وبالتالي إلى إقصاء شرائح اسرائيلية – يهودية أخرى كانت تتوقع ان يتحسن حالها، وأعني هنا السفاراد اي الشرقيين من الأصول العربية.
|