الفساد الإداري والمالي.. بين الدين والقانون |
في موضوعة بناء دولة مدنية وعصرية عادلة, يمر بها العراق اليوم بفرصة ذهبية تأريخية, لا يمكن أن تتكرر, بعد ما حصل,للقضاء عليها، سيما بعد محاولات إضعافها المتكررة. بعد محاولات الترميم المستمرة، التي يقوم بها بعض القادة السياسيين المصلحين، فإن الإخفاقات المتكررة, في عملية بناء الدولة, يمكن إيعازها الى سببين رئيسيين, الأول: الإرهاب والمحاولات الحثيثة, لإفشال التجربة السياسية الوليدة, والثاني وهو أخطر من الأول : يتمثل بإنهيار بنية القيم الوظيفية والقانونية, بحيث أصبح القانون مجرد كلمات مخطوطة في الدستور, يتلاعب بها منفذيه, الموجودون في السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية, ونراه يغيب إحترامه عند المواطن بشكل عجيب. في دول العالم المتحضر, يحوز إحترام القانون، على أهمية واسعة في المنظومة القيمية, حيث تتم تربية الإنسان منذ نعومة أظافره, على قدسية القانون الوضعي, وتعمل أدوات التربية؛ بكل مفاصلها وتموضعاتها المدرسية والدينية والأسرية, على تغذية عقول النشيء والشباب، على أهمية القانون وعدم مخالفته, لأنه يمثل سور الدولة, وإن انهياره إنما يعني انهيار الدولة والمجتمع والأفراد. المشكلة لدينا في العراق, هي عدم تعريف القانون، في قواميس الدين والتربية المجتمعية والأخلاقية, بل نجد شبه قطيعة قيمية وأخلاقية، بين المنظومة القانونية والمنظومة الدينية. إن غالبية العراقيين مسلمين، يحترمون الشريعة ورجال الدين, لكننا نجد الشعب يقف في منطقة ضياع قيمي وأخلاقي, بما يتعلق بعلاقته مع القانون؛ إضافة إلى أن الرمزية الدينية, لم تدخل بعمق في هذا الموضوع, وإنما اكتفت بإشارات ونصائح عامة, تبين وجوب احترام تنفيذ القانون وإتباعه؛ وواضح أن هذا غير كاف, لبناء علاقة رصينة بين المواطن والقانون. إن من واجب المؤسسة الدينية, القيام بنقل مفهوم الردع الشرعي والداخلي (ضمير الفرد), من حيز الذاتيات الفردية, إلى حيز الممارسات القانونية الوضعية, مع العمل على بذل الجهود، لأن يكون الأمر القانوني, أو القاعدة القانونية, هي قاعدة أخلاقية دينية متقعدة أساسا، في الأساس الشرعي لروح الدين, وهذا يتطلب من منظومتنا الدينية، أن تبذل جهودها العلمية الإستثنائية, لدراسة الأطر والقواعد القانونية الوضعية المعمول بها, وإيجاد مقاربة فكرية قيمية وأخلاقية (دينية), ما بين تجذراتها الإنسانية والإجتماعية, وما بين روح النص الديني الشرعي. المتعارف عليه عند الشعب العراقي, هو أن التجاوز على حدود الشرع، أصبح بفضل انتشار الوعي الديني, أمرا معيبا ترفضه البنية الإجتماعية التقليدية, قبل أن يرفضه الوعي الديني عند الأفراد والجماعات؛ وذلك ما كان له أن يكون، لولا الجهود المضنية والجبارة, المبذولة من قبل المؤسسة الدينية بأدواتها المتعددة، والتي نجحت في صد جانب كبير من الغزو الثقافي. وما لا يقل أهمية عن ما سبق, هو ضرورة قيام المؤسسة الدينية, بالنظر الى موضوع زرع الوعي الشرعي, بأهمية إتباع القانون من قبل المجتمع, كأساس من أسس إتباع الشرع القويم, وذلك لا يكون إلا بعد أن يدرس رجل الحوزة القانون الوضعي، دراسة جادة ومعمقة, فإذا حصل هذا الأمر, ونجحت المؤسسة الدينية بأذرعها القوية, بنشر مفهوم إحترام القانون, ببعده الأخلاقي (الشرعي), فإن هذا سيضمن للعراق, أن يكون بمصاف الدول المتقدمة, بعد فترة ليست طويلة من الزمن.. الكاتب محمد ابو النواعير: ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرة. |