في بغداد، وعلى امتداد شارع أبي نواس المطل على دجلة، تمتدّ رائحة السمك المسقوف من المطاعم المختصة في تقديم هذا الطبق العراقي الذي يصنع بطريقة خاصة جداً، حيث يمكن غالباً لزائرها اختيار السمكة التي تروق له من حوض موجود فيها، ومن أنواع عدّة: أشهرها 'البني' و'الشبوط' و'الكيطان'. وفوراً يتمّ اصطيادها مباشرة وتذهب إلى الطبّاخ الذي يقوم بشقّها عرضياً إلى نصفين من جهة الظهر لتصبح مفتوحة كالكتاب، ثم ينظّفها قبل تثبيتها على عمودين قرب النار الملتهبة التي يستخدم في إشعالها خشب الطرفة عادة، كونه يوفر لهباً قويّاً وقليل الدخان، وهذه العملية تسمى 'السقف'. على غير المعتقد السائد، فإنّ الكلمة ليست عربية، بل اشتقّت من كلمة 'سكَف' الآرامية، التي تعني 'وضع الشيء على السيخ'، وذلك نسبة إلى وضع السمكة على أسياخ حديدية فوق النار. غير أنّ الغريب في هذا الطبق ليس طريقة الطهي المختلفة عن سائر الطرق التقليدية، بل تلك العلاقة بأسطورة الخلق البابلية التي ربما لم ينتبه كثيرون من قبل لعرضها مقطعاً قريب الشبه من طريقة عمل السقوف. إذ تقول في إحدى مواضعها ما يلي: 'ثم شقّ جسدها نصفين مثل سمكة مجفّفة/ نصفٌ سقف به السماء/ ونصفٌ صنع منه الأرض/ وفي السماء ثبّت النجوم وصورها الفلكية'. هذا المقتطع المأخوذ من أسطورة الخلق البابلية يروي بشكل لافت ما حدث بين 'مردوخ' و'تيامات' في صراعهما على السلطة. صراع انتصر فيه مردوخ وتعامل بعده مع تيامات بالطريقة نفسها التي يتعامل الطبّاخ مع السمكة المسقوفة، حين يشقّها نصفين ويصنع منها السماء والأرض. وقد وردت في التاريخ شواهد أخرى تذكر السمك المسقوف كطبق رئيسي في حضارة ما بين النهرين، وتم العثور على رُقُم طينية بابلية وسومرية تشرح كيفية شيّ هذا النوع من السمك، ما جعله أكثر من مجرد أكلة اختصّ بها العراقيون، بل أصبح رمزاً من رموز الهويّة التاريخية والثقافية والحضارية للعراق. إضافة إلى كل ذلك فهو أكلة لذيذة وصحية، خالية من الدهون والملونّات، ومليئة بالحنين والذكريات.
|