الفهم الخاطئ للدولة المدنية !!!

الدولة المدنية ؛ هي دولة تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع .. بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية.
هناك عدة مبادئ ينبغي توافرها في الدولة المدنية ؛ والتي إن نقص أحدها فلا تتحقق شروط تلك الدولة .. أهمها ؛ أن تقوم تلك الدولة على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، بحيث أنها تضمن حقوق جميع المواطنين . ومن أهم مبادئ الدولة المدنية ؛ ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر. فهناك دوماً سلطة عليا .. هي سلطة الدولة ، والتي يلجأ إليها الأفراد عندما يتم انتهاك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك. فالدولة هي التي تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم.

من أهم مبادئ الدولة المدنية ؛ أن تتأسس على نظام مدني من العلاقات التي تقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، والثقة في عمليات التعاقد والتبادل المختلفة، حيث أن هذه القيم هي التي تشكل ما يطلق عليه الثقافة المدنية، وهى ثقافة تتأسس على مبدأ الاتفاق ووجود حد أدنى من القواعد يتم اعتبارها خطوطا حمراء لا ينبغي تجاوزها. وكذلك مبدأ المواطنة والذي يعني أن الفرد لا يُعرف بمهنته أو بدينه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته، وإنما يُعرف تعريفاً قانونياً اجتماعياً ؛ بأنه مواطن .. أي أنه عضو في المجتمع ، له حقوق وعليه واجبات، وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين.

كما أنها لا تتأسس بخلط الدين بالسياسة. كما أنها لا تعادي الدين أو ترفضه . فرغم أن الدين يظل في الدولة المدنية عاملا في بناء الأخلاق وخلق الطاقة للعمل والإنجاز والتقدم. حيث أن ما ترفضه الدولة المدنية هو استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذي تقوم عليه الدولة المدنية، كما أن هذا الأمر قد يعتبر من أهم العوامل التي تحوّل الدين إلى موضوع خلافي وجدلي وإلى تفسيرات قد تبعده عن عالم القداسة وتدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة.

ويجب توفر مبدأ الديمقراطية في الدولة المدنية .. والتي بواسطتها ؛ تمنع من أن تؤخذ الدولة غصبا من خلال فرد أو نخبة أو عائلة أو أرستقراطية أو نزعة أيديولوجية.

والحالة هذه ؛ فالدولة المدنية هي خيارنا الوطني اليوم ، بعدما أثبت التاريخ السياسي بأنها هي الخيار الأفضل .

ما يسمى بدولة الخلافة اليوم ؛ لا يمكن لها أن تقام في العالم الجديد .. مالم تكن معززة بقيادة غيبية من السماء ، حيث شهد تاريخ الأمّة العربية والإسلامية ويلاتٍ أدّت إلى تمزيقها ، بعدما سعى نبينا الكريم محمد(ص) على تمتين عرى الإخاء والوفاق فيها ، حيث التناحر بين أقطاب الأمّة الإسلامية بعد رحيل المصطفى(ص) إلى الله ، عندما انقلبت الأمّة على عهد رسول الله(ص) .. كما نبّأ بذلك القرآن الكريم من قبل .

عليه ؛ فلو أذعنتِ الأمّة الإسلامية إلى ما أعلنه النبي الخاتم (ص) عندما قال : ((علي مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبيَ من بعدي)) .. فهارون (ع) كان أخاً لنبي الله موسى (ع) ووزيرا .. وخليفته من بعده .. والناطق الرسالي باسمه.فلو كان عليٌّ (ع) خليفة بعد رسول الله (ص) كما وصّى به الرسول الأعظم (ص) بأمر السماء، لكان منصب الخلافة التي أرادها الله .. منصباً ربّانياً سماوياً غيبياً .. لا دنيوياً بالشورى ، كما آلت إليه الأمور في السقيفة من بعد وفاة محمد(ص) ، ما جعل التنازع على الخلافات الإسلامية ، لا تختلف عن التنازع على الملكيات .

لقد بذل رسول الله (ص) الجهد الجهيد المعزز بغيب السماء ، لأجل تأهيل خليفة للمسلمين من بعده (ص) .. منذ نعومة أظفاره(ع) ، فكان علياً (ع) ، هو الخليفة الذي هيّأته السماء لقيادة الإسلام على الأرض من بعد رسول الله (ص).. وهل أعدل من علي(ع) وأقضى في تاريخ الإنسانية كافة ؟!!!.

ولسنا هنا نريد المساس بمكانة الصحابة الأجلاء .. الخلفاء الراشدين الثلاث (رض) ، ولكني أعني هنا؛ إنَّ ((الخليفة)) يجب أن يكون منصّب بأمر السماء على لسان نبي السماء . الذي لا ينطق عن الهوى .. ((إن هو إلا وحيٌّ يوحى)) . وعندما يكون الخليفة منصّب بأمر رسول الله (ص) .. غير الخليفة المنصّب بشورى الأمّة .

يأتي اليوم ؛ من هبَّ ودبَّ .. من الداعشين ومن دعش دعشهم ، ليعلنوا للعالم خليفة ووالياً وولياً على المسلمين ، ما أنزل الله تعالى به من سلطان ، ولا جاء على نبيِّ بلسان ، ولا يرضى به إنسان .

وما يؤسف حقاً ؛ هذا المسلسل الخرافي الذي تبثه اليوم فضائية العراقية العزيزة ؛ هذه القناة التي نرجو منها التمحيص والتدقيق ، لا السرد والحشو الإعلامي ، بل؛ نرجو منها التعبئة الجماهيرية المرموقة لمواجهة التمدد الداعشي الخاوي . فما ساءني جداً ، في الحلقة التي بثت في الساعة السادسة من 5/ تشرين1/2014.. جاءت لتعلن للملأ نيابة عن أبي بكر البغدادي الخليفة المزعوم بنينوى، بأنه يدعو إلى قيام ((دولة مدنية)) ، وقد ألمعنا وألمحنا إلى موجز عن الدولة المدنية ، والتي لا تطابق الأطروحات الخاطئة التي يدعو لها تنظيم الدولة اللاإسلامية في العراق والشام (داعش) .

آمل من القائمين على قسم البرامج الثقافية والسياسية في شبكة الإعلام العراقي أن يصححوا هذا الخطأ، ويعتذروا ((للدولة المدنية)) ، قبل أن يعتذروا عن خطأهم هذا . والله من وراء القصد ؛؛؛