رغم ان الاعلام العراقي لخص لنا، وبسذاجة، ان اجتياح داعش للموصل كان استجابة لنداء من اثيل النجيفي والبارزاني، ورغم ان الكثيرين صدقوه، وبسذاجة ايضا، الا ان الحقائق التي تنكشف حول هذا التنظيم، وفي كوباني بالتحديد، توضح لنا ان داعش اكبر من النجيفي ومن المالكي ومن العراق ومن الشرق الاوسط برمته.
عملت على صناعة هذا التنظيم الاخطبوطي جهات ودول عالمية واقليمية. السعودية وقطر، بالنيابة عن البترودولار الخليجي، قامت بتمويله. تركيا تقوم بدور الحاضنة التي تقدم الخدمات اللوجستية وايصال الدواعش الى ساحات القتال في سوريا. العراق قام بتقديم الاسلحة بما قيمته مليارات الدولارات عن طريق الانسحابات وترك المعدات بكامل جهوزيتها. سوريا قامت بتوفير الارض وابار بترولها. ايران ساهمت بتقديم الدعم الدبلوماسي كمعارض لضرب الامريكان لقواعد داعش، واخيرا امريكا هي مهندس ومنسق ومخرج هذه اللعبة.
بالنسبة لقطر والسعودية، فهما افضل من يستطيع توفير دعم مادي، فلديها فائض من السيولة اكبر بكثير مما تستطيع توضيفه في مشاريع تجارية مثمرة، قطر وصلت للحد الذي تلجأ فيه لشراء اسواق في لندن لا تدر عليها المردود المادي مثل سوق هارودز وبعض العقارات الجامدة. فلم تجد استثمارا لاموالها افضل من تقديمها للمشاريع الامريكية في المنطقة من اجل المحافظة على مراكزها السياسية، والبقاء في الحكم، وتفادي المؤامرات الخارجية التي تستهدف نظم الحكم فيها.
تركيا هي افضل من تلعب دور الوسيط لانتقال المقاتلين كون رأسها يقع في اوربا، وارجلها تتمدد على طول حدود سوريا والعراق الشمالية. وفيها حكم اسلامي سني اطلق العنان للمدارس الاسلامية ومراكز التثقيف الديني المتطرف، والمئات من المنتجعات المتباعدة، تحت تصرفهم.
العراق هو افضل من يقدم الاسلحة، فله ترسانة على الارض تقدر بمليارات الدولارات، تفوق حاجة الجيش العراقي، الذي لا وجود فعلي له، وفيه ميزانيات انفجارية تؤمن شراء احدث المعدات الحربية الامريكية، جمد اكثرها في المناطق المستهدفة من قبل داعش. كما انه يعيش فترة انقسامات طائفية ساهمت في اخراج افضل سيناريو، وحرب تصفية حسابات بين السياسيين مكنت المالكي (رئيس الوزراء السابق) من ترويج التهمة على الشخصيات السياسية المنافسة.
سوريا الاسد ساهمت بشكل كبير في توفير اجواء النمو للتنظيم عن طريق ضرب منافسيه من جهة وتسخير الموارد النفطية له والانسحاب من المدن والمناطق الستراتيجية لتكون معقلا للتدريبات العسكرية وجمع اشلاء التنظيم ورص صفوفه.
الاتحاد الاوربي لعب دوره في بحماية المراكز الدينية المتطرفة باسم "الدفاع عن التنوع الفكري" ووفرت لدعاته الحماية باسم حقوق الانسان وقدمت لهم الحصانة الفعلية كون الكثير من كوادرهم يحملون جنسيات اوربية.
وبالنتيجة فان الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على اخراج عمل بهذا الحجم، وتوزيع الادوار بهذه السلاسة، اي بجمع المال الخليجي، والارض التركية، وساحات التدريب السورية والاسلحة العراقية، وفوقها الحماية الاوربية. وهي الوحيدة القادرة على تحييد القوى الرافضة لنشوء داعش، في حال معارضة روسيا او الصين او الحكومات العربية.
وبالمقابل فان هذه الاطراف كلها قد حققت نجاحات في اداء ادوارها، وحصلت على مكاسب من اشتراكها في العملية الاخطبوطية الكبيرة.
الخليج، قطر والسعودية على وجه الخصوص، تحافظ على ضمانات بقاء انظمتها مستقرة، وتبعد الارهاب عن اراضيها، رغم انها ساحة الارهاب الحقيقية ومنها تنطلق الافكار والدعوات المتطرفة.
تركيا حصلت على ضمانة ضرب مقاتلي حزب العمال الكردستاني، وحليفه ي ب ك في سوريا، وتدمير قواعده في المدن الكردية المحررة.
العراق حصل على ضخ اعلامي طائفي متطرف ساهم في استمرار لعبة الطائفية وجرت فيه عملية تبادل سلسة بالكراسي بين نفس الوجوه بسبب الرعب الذي تركته داعش لدى الناخب العراقي الشيعي على وجه الخصوص.
وامريكا هي المستفيد الاكبر، فمشروعها الطويل الامد بتدمير كل القوى السياسية اليسارية، والافكار الطبقية التي تناوئ التوجهات الرأسمالية في الشرق يحقق النجاحات، وينسف قواعد الفكر الطبقي في حواضنة الطبيعية (الاحياء الفقيرة) المدن التي تعيش تحت خط الفقر، والكتل السكانية التي تعاني من سلطة الحكومات وديمقراطيتها الشكلية الجائرة.
وامام هذه القوى المستفيدة، من هم الخاسرون.. الخاسرون هم الشعوب التي تدمر مدنها وقراها في شمال العراق وسوريا، الخاسرون هم الشعب العراقي برمته الذي يتفرج على رقاب ابنائه تحز بالسكاكين، والذي يفقد ثرواته الهائلة ويعيش كافقر شعوب الارض. والخاسرون هم الشعوب الاسلامية قاطبة، التي ينمو فيها التطرف الديني والطائفي بدلا من انتشار العلم وبناء اسس وقواعد التنمية المطلوبة لازدهار المجتمعات.. والخاسرون هم شعوب العالم اجمع، المهددة بانتشار ثقافة الصحراء ومزاج القرون المظلمة، وازدهار الكراهية بدلا من تعزيز ثقافة التحضر والاحترام المتبادل بين الشعوب وبناء مجتمع انساني مسالم.
ولولا مقاومة رجال ونساء كوباني.. ومشاهدة العالم وهو يتفرج بانتظار سقوطها، لما انتهنا الى المفارقة العجيبة في تعامل هذه القوى مع داعش... فكل الدول تدعي انها تحارب داعش، لكنها كلها واقفة بانتظار سقوط المدينة الاهم، ووصول الدواعش الى نقطة الحدود التركية، وتحقيق النصر العسكري الستراتيجي والنفسي الاعلامي المهم لتجنيد الالاف من المقاتلين الجدد..!
وكل ما طالت مقاومة كوباني، انكشف زيف هذه القوى التي تنافق باسم الانسانية وحقوق البشر، وادعاء معاداة داعش.
|