مشروع الحرس الوطني –١- نحو عراق دويلات المدن |
قرارات حكومة العبادي الذي خرج من حيث لا يعلم احد، وطريقة تشكيلها والغموض الذي يحيط بها والدعم عديم الحياء لها من أميركا واستبشار عربان الخليج بها، كلها تؤكد أنها مشروع مؤامرة إسرائيلية أمريكية لتقسيم العراق، وقد وزعت الأدوار على كل ذيولهما، وعلى رأسهم القيادة الكردستانية التي خرج ترشيح هذا الرجل من بين معاطفها، والتي تلعب دوراً محورياً لا يقل عما تلعبه فرق داعش الإسرائيلية المكونة من المجندين العرب. فالبيشمركه وداعش ليست سوى أطراف للكماشة العسكرية للخندق الإسرائيلي الأمريكي في العراق، وتعملان بتنسيق واضح للوصول إلى الهدف النهائي ذاته للسيد الأكبر: تمزيق العراق وتقاسم ثرواته ثم محوه من الخارطة. وآخر فصول هذه المسرحية التي نشهدها، هي "مشروع الحرس الوطني" الذي قدمت مسودة قانونه إلى البرلمان للمصادقة.
محتوى مشروع قانون الحرس الوطني
إن نص مشروع القانون يمتلئ بالأفاعي ما يزيد عن الدستور العراقي، الذي كتبته ذات الجهات التي كتبت هذا المشروع. فنقرأ في القانون"يتم تشكيل قوات عسكرية نظامية محلية في كل محافظة من ابناء المحافظة نفسها فقط"!! والفكرة هي "أن تتولى قوات الحرس الوطني حماية "حدود المحافظة" !! فهذا "الحرس الوطني" إذن عبارة عن جيوش متفرقة لكل محافظة مخصصة لكي تدافع عن "حدودها"(!!) (1) فـ "الحرس الوطني" عبارة عن "جويشات" محافظات لا يجمعها جامع، وقد أعطي لها إسم موحد ليوحي بأنها شيء واحد، بينما لا يوجد فيه شيء يوحده. و حتى "جويش" المحافظة هذا ليس موحداً ولا يتم أختياره من ابناء المحافظة حسب الرغبة والقدرة والكفاءة بل، وحسب مشروع القانون: "بما يضمن التمثيل الحقيقي لابناء جميع المكونات وبحسب نسبة تمثيلهم الحقيقي في مجتمع المحافظة نفسها".. أي أنه سيكون مثالاً قزماً لجيش محاصصة طائفي كما خبرناه، وكل "مكون" سيكون له عملياً “فرعه” الخاص في هذا "الجويش"، يأتمر بأمره وليس حتى بأمر قائد عام لجيش المحافظة! إنه استخدام أمثل لإقناع الناس بالإنقسام باستخدام خرافة جرى بناءها من قبل الإعلام العراقي المشبوه والتي تقول بأن أبناء المحافظة سيحافظون عليها، وغيرهم لن يفعل ذلك، وأن السني بأمن مادام السني في مركز القرار والشيعي مطئمن مادام شيعة في قيادة الجيش والأمن، ولذلك فعليكم أيها السنة والشيعة أن تقبلوا بالتقسيم الذي سيحميكم. هذا رغم أن كل تاريخ العراق يشهد بعكس ذلك، ويشهد بأن الأمن الصدامي كان خليطاً تاماً من سفلة السنة والشيعة على السواء وأن بعض أقسى السفلة على الضحايا من كان من ذات المذهب!
وفي نص مشروع القرار جاء أيضاً ما هو أخطر وأشد إثارة للعجب، فنقرأ أنه يجب اختيار ضباط هذا "الحرس الوطني" الجديد بحيث "تكون الأولوية لمنتسبي الجيش العراقي السابق من الضباط والمراتب استثناء من اي قوانين او ضوابط امنية، او سياسية، كقانون المساءلة والعدالة"!
صحيح أنه كثيراً ما أسيء استغلال القوانين في اختيار قادة الجيش كما غيره ولعبت المحسوبيات والمصالح والطائفية أدوارها في تنفيذ اعور لتلك القوانين، لكن إزاحة تلك القوانين كالمستجير من الرمضاء بالنار. فهل هناك في العالم جيش يتم قبول ضباطه "إستثناءاً من أي قوانين أو ضوابط أمنية"؟؟ حتى في هولندا والسويد – دع عنك أميركا، لا يفعلون ذلك فكيف بالعراق؟ لاحظوا أن من وضع هذا القانون يعلن هنا صراحة أنه يريد منه حشو الجيش بضباط ارتكبوا جرائم. إن هذا النص يذكرنا بشروط الأمريكان لبقاء جنودهم بمنحهم الحصانة من المحاسبة على الجرائم التي قد يرتكبونها في البلاد، بل والتي ينتظر منهم أن يرتكبوها بحكم المهمات المخططة للبلاد ولدورهم فيها، ويريدون ضمان إفلاتهم من المحاسبة، كما هو الأمر هنا في هذه "الحصانة". فما شكل العصابات التي يراد لها أن تشكّل هذا الحرس إذن، وما هي المهمات المطلوبة التي تتطلب حمايته ورشوته بالترقية مسبقاً؟
إن كان القصد محاربة "داعش" فما الذي سيتمكن منه هذا "الجويش" المكون من سفلة الناس الذين جندهم صدام لمشاريعه القذرة، ثم أفلتوا من العقاب وكوفئوا بالترفيع "مكافأة لهم" بقرار أمريكي أن يفعلوه؟ ما الذي يؤمل من جيش مقسم طائفياً من هؤلاء، لن يتجاوز تعداده عشرة ألاف أو بضعة عشرات الآلاف، من المتطوعين الذين سيكفي "بضعة أسابيع" لتدريبهم بالتنسيق مع كردستان، وفق أثيل النجيفي - مما عجز عنه الجيش العراقي والشرطة والأمن التي تقدر أعدادها بالملايين وصرفت عليها المليارات من أجل تدريبهم ولسنوات عديدة "على أحدث الوسائل العسكرية" على يد "الناتو"، أكبر العصابات الدولية العسكرية وأشدها كفاءة في القتل والعدوان في العالم؟ ودعونا لا ننسى أن نسأل أيضاً: هل هذا الجيش مؤقت تأسس لإزالة الظرف الطارئ ثم تعود وحدة البلاد وأمانها كما يفترض؟ لاشيء في القانون يوحي بذلك، كما أن تصريحات القادة الأمريكان تعدنا بأن "المعركة ستطول" وأن جيوشهم الرسمية وجيوشهم الأخرى المقنعة، جاءت لتبقى نحراً أزلياً لأجزاء هذا البلد اليتيم من أبنائه الشرفاء!
كردستان لا تشرب من الكأس التي تسقيها لنا
هذا الفصل الصعب بتمزيق العراق إرباً لا يشمل كردستان طبعاً وليس هذا بجديد، فساسة كردستان يقبلون هذه المشاريع لنا، وليس لبلادهم. ومثلما رفضت كردستان بشدة وحدّة أي طرح لتقسيمها إلى الفدراليات التي كانت تروج لها بهمة عندما يتعلق الأمر بنا، حين طرحت "التغيير" الفكرة، فإن قادة كردستان أكدوا رفضهم لشمول كردستان بمشروع "دويلات المدن" هذا، وطبيعي أن أحداً لن يضغط عليهم في ذلك، ولن يطالبهم أوباما بشمول جميع "مكونات" الشعب الكردي قبل دعمه المبارك بقصف قواته الداعشية، قصف لا يعرف أي شخص حقيقته وصدقه إلا من خلال ما يقولونه هم، ولن يقترح أحد على برلمان كردستان مثل هذه المشاريع الدنيئة لجيوش بديلة للبيشمركة للمصادقة عليها. كردستان ليست مشمولة بالضربات الإسرائيلية.. لأن كردستان الهراوة الرئيسية من بين الهراوات التي تضرب بها إسرائيل ولا تضربها. قد تخدش الهراوة وحتى قد تكسر أثناء ضرب الضحايا بها، لكن السيد لن يضع الخطط المقصودة لتحطيمها. تحرشات فرق "داعش" بكردستان قد توقع ضحايا وقد تنشر رعباً، لكنها لن تدوم طويلاً ولن تتنتج عنها خراب مدنها واقتصادها وخسارتها لأراضيها، بل تنتج في نهاية الفلم، مضاعفة مساحات أراضيها ومدنها وتسليح جيشها!
لماذا ترفض كردستان أن تشرب من الكأس الأمريكية التي تصر ان تسقينا منها؟ يقول النائب عن كتلة تغيير (غوران) هوشيار عبد الله فتاح أن السبب هو "أن قوات البيشمركة خاصة بحماية إقليم كردستان". (؟؟؟)) ويقول ان "الأمن في إقليم كردستان مستقر، لذلك فأن وضع البيشمركة مختلف عن قوات الحرس الوطني".(؟؟؟) أن "واقع قوات البيشمركة مختلف عن جميع القوات العراقية".(2) لكن اليس المفترض بـ "الحرس الوطني" بالذات أن يحمي المناطق وحدودها، بالضبط كما هي مهمة البيشمركة فلماذا لا تكون البيشمركه جزءاً منه؟ وكيف أن الأمن في كردستان مستقر؟ إلا إذا كانت عمليات داعش الأخيرة تمثيليات معروفة؟
أما أغرب التبريرات فكانت من جاسم محمد صوفي، نائب عن التحالف الكردستاني الذي قال أنه "لا يوجد شيء أسمه الحرس الوطني في الدستور العراقي، لذلك لا يمكن دمج البيشمركة مع هذه القوات". فلماذا قبلتم، وأنتم في الحكومة ومنكم الرئيس، أن تتسلح بغداد بجيش كامل ليس له اساس في الدستور؟ هل لأنه بأمر أمريكي كما تقول؟ بل أن السبب في الرفض هو أنه بأمر أمريكي، كما يريد جاسم أن يقنعنا! (3) وطبيعي أن عراب التجزئة و"فرخ" كردستان في الموصل – أثيل النجيفي لن يفوت مثل تلك الفرصة، بل باشر بتأسيس ذلك الجيش قبل إقراره، (وحدث ذلك في الأنبار ومناطق أخرى أيضاً) وطالب بالإسراع بإقرار القانون لأنه حصل على موقع بالتعاون مع كردستان (الداخلية والبيشمركة) لتدريب هذه القوات.. وقال أنهم لا يحتاجون إلا إلى أسابيع قليلة من التدريب!
مبدأ وتطبيقات ضخ القوة الإتحادية إلى كردستان والمحافظات
إن هذا المشروع ليس سوى إحدى الخطوات في سلسلة إجراءات هدفها "ضخ القوة والصلاحيات من المركز إلى المحافظات. ونذكر مشروع قانون المحافظات، وهو من أقذر القوانين وأشدها خطراً على العراق، والذي سعى عملاء إسرائيل في كردستان وذيلها الجديد "التيار المدني" ومعظم السنة والمجلس الأعلى إلى فرضه على المالكي بضغوط جبارة، وكذلك قانون البترو دولار الذي اخترعته كردستان أيضاً، رغم أنه في الضد تماماً من مصالحها إن حسبنا الأمر حساباً، وحتى لو لم تكن تهرب كل أو بعض نفطها. فلا بد من وجود سبب قاهر يدفع بهذه الشلة الشديدة الجشع التي تقود كردستان قسراً لتضحي بمصالحها من اجله. وواضح أن الهدف من المشروع كان تحطيم العلاقة بين المحافظات وإغراء المحافظات البترولية تدريجياً بالإحتفاظ ببترولها بعيداً عن العراق، فبدأ الأمر بدولار ثم تطور الدولار أثنين ثم إلى خمسة دولارات والإقتراحات بزيادتها مستمرة، ولا مفر من ان يأتي اليوم الذي تقول به كل محافظة نفطية: ولماذا أدفع أي شيء اصلاً؟ وعندها سيهتف جنرالات الجيش الإسرائيلي الجديد: "حاضرون"!
كل هذه المشاريع مدروسة بدقة لفصل مصالح المحافظات عن بعضها البعض، وجعل العلاقة بينها علاقة تنافس، وتحطيم المشاريع المشتركة التي تمثل العراق فيتم إفراغ محتواه تدريجياً حتى لا يعود لوجوده معنى أو مبرر. لقد بدأوا بكردستان ، "شريكتنا" التي كانت تقدم عروضاً مغرية لتحطيم اتفاقات العراق مع شركات النفط ، وتستخدم جيشها للإستيلاء على اية أراض يمكن أن تستولي عليها ولا تسكنها كثافة سكانية عربية كبيرة (بالضبط كما تفعل إسرائيل).. ثم قرروا أن يشمل الخير كل المحافظات. وفي النهاية لن يكون هناك عراق، ولن تتمكن أية محافظة من الدفاع عن ثروتها ولن يعود لسكان لأية محافظة شيء من بترولها، لأن الذئاب ستكون جاهزة للإنقضاض في اللحظة التي يتحطم فيها العراق بشكل كامل، وعندها سيدرك الجميع الكارثة، ولكن متأخرين.
تساؤلات أخرى
ما الذي يعنيه منصب "القائد العام للقوات المسلحة"، حينما تكون هناك "قوات مسلحة" لا تأتمر بذلك القائد "العام"؟ هل أن هذا هو السبب الحقيقي وراء حل "مكتب القائد العام للقوات المسلحة"، وليس تقليل التكاليف؟ هل حقاً أن وقف القصف للمدن الآهلة، جاء احتراماً لحياة سكان المدن، أم أنه طريقة لإفلات داعش، كلف بها العبادي؟ ومادامت لكل من هذه المحافظات "حدودها" وجيوشها التي تدافع عن تلك "الحدود" بشكل دائم (بوجه الجيش الإتحادي أو جيوش المحافظات المجاورة)، فكم يبقى لإستقلالها؟ وكم "نفخة" من المدسوسين من أمثال النجيفي في الموصل و البزوني في البصرة تحتاج لتجزئتها عن بعضها البعض نهائياً؟ ثمة سؤال آخر: أين يذهب الجيش الإتحادي إن كان ممنوعاً من دخول أراضي المحافظات إلا في حالات الطوارئ؟ هل توجد أراضي في العراق ليست تابعة لأية محافظة ليلجأ إليها هذا المشرد؟ أم سيكون عليه أن يحل نفسه ليلتحق منتسبوه بتلك "الجويشات" كل حسب محافظته وطائفته؟ سؤال آخر: إذا هاجم "داعش" أراضي إحدى هذه المحافظات، فكيف ستصمد هذه الجويشات بوجهه، وقد "عجزت عنه الجيوش الخضارم"؟ هل نطلب المساعدة من البيشمركة، باعتباره الجيش الوحيد الذي له وزن في البلاد؟ طيب وإذا حررت البيشمركة الأراضي ثم رفضت الخروج منها، أو إذا هاجمت البيشمركة بنفسها محافظة "جارة"، كما حدث ويحدث حتى اليوم، فممن نطلب المساعدة؟ وسؤال آخر: هل من علاقة بين من أسس "الحرس القومي" قبل نصف قرن لتمزيق عراق ثورة تموز، ومن أسس "الحرس الوطني"؟ . سؤال أخير : كم سيكلف الميزانية "جيش تمزيق العراق" هذا؟ كم ملياراً سندفع من أجل شيء ليس له القدرة إلا على شيء واحد: تحطيم بلدنا نهائياً؟ أسئلة مزعجة، لكنها تطرح نفسها بلا شك..
المالكي ضدها، ولكن أوباما يريدها!
من الواضح إذن أن مشروع "الحرس الوطني" في غاية الأهمية بالنسبة لأجندة الإدارة الأمريكية في العراق، والشرط الأساسي للرئيس أوباما ليسلم السلطة للعبادي، وربما كان أهم من تشكيلة الحصار الإقتصادي والسياسي للعراق المتمثلة بوضع عادل عبد المهدي على النفط وتسليم المالي لكردستان وتنصيب علاوي "قريباً من قمة الهرم"، لذلك نرى المشروع ضمن برنامج عمل حكومة الأخير، كما سارعت هذه لإقراره في أول اجتماع لها. وقد رفضه المالكي بقوة، وقال "انا ضد هذه الفكرة تمامًا واحذر منها واقول هي بداية لتمزيق العراق أن يكون لكل محافظة جيش هذا امر غير جيد لان المحافظة لديها قوات امنية داخلية، أما الحرس الوطني لكل محافظة فهذه عملية تداخلية مع الحشد الشعبي (المتطوعون) ولذلك فتشكيل هذه الجيوش في المحافظات أمر خطير ويجب علينا ان نهتم بقضية الحشد الشعبي لان العراق لديه جيش واحد وتشكيل جيش الحرس الوطني في المحافظات بداية خطيرة على وحدة العراق".(4)
هذا رأي الشخص الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات الإنتخابية في العراق وبفارق كبير عمن تلاه، لكن هل لهذه الحقيقة أهمية إن كان أوباما يرى العكس؟ يبدو أن علم أصحاب هذا المشروع الخطير برفض المالكي له، هو السبب الحقيقي لإزاحة الأخير لفتح الطريق أمام مشروعهم. هذا رغم أن المالكي هو الرجل الذي قدم لأميركا وإسرائيل وذيولها كل الخدمات التي أوصلت العراق إلى هذه الكارثة بعد ثمان سنين من سياسة الإنبطاح شبه التام، ولم يكن يدرك أنه يهيء لنهايته وبدء "مرحلة الإنبطاح التام" لرفيق له، ينسق وينتظر دوره في الظلام.
خاتمة
قد عبرت المرحلة الشكوك بأن داعش فصيل أمريكي إسرائيلي، ومن مازال متردداً في هذا بعد كل تلك الفصول، فعليه العوض ببصره أو عقله، أما الباقين فعليهم أن يبحثوا عن ما يخطط له وما يجب عمله لمجابهته. "الفصل الصعب" في المسرحية، خاص بنا نحن عرب العراق، وقد يفوق خيالنا وتصورنا عن حدود أهداف إسرائيل في تدميرنا وتمزيقنا. وليس هذا الأمر نظرية مؤامرة أو رعب لا مبرر له. بل يبدو من المقدمات أن هذا الفصل قد يذهب أبعد من تقسيم البلاد إلى ثلاث أو أربع دويلات كما كنا نخشى من مشروع بايدن. فهنا سيقسم العراق إلى عدد من الأجزاء بقدر عدد محافظاته (عدا كردستان) لتكون "دويلات مدن" كتلك التي تعود إلى أوروبا القرون الوسطى في المراحل الإقطاعية الأولى، حين كانت كل مدينة مسيجة بسور، ولها جيشها وملكها! ثم اخترع البارود وحطم تلك الأسوار والدويلات الهشة المعرضة للغزو، لصالح دول أكبر تستفيد من حجمها للتجارة والصناعة ولبناء قوة عسكرية لها المرونة على مطاردة أعدائها أو مجابهتهم قبل أن يصلوا أسوارها وفي المكان المناسب الذي تختاره هي...لا أن تترك الفرصة لهم ليخططوا هجومهم ويحاصرونها ويقصفونها متى شاءوا. والآن يريدنا "أصدقاءنا" أن نعود إلى تلك الدويلات القروسطية، بالضبط كما هدد الأمريكان يوماً، - قبل أن يصبحوا "أصدقاءنا"! فهل يفعلون ذلك من أجل حمايتنا من عصابات الغزو، أم لشل حركة قواتنا لصالح تلك العصابات؟ لن أجيب عن هذا لكني أقول: سيتمنى الشعب يوماً أن يشرب من دماء من روج لخداعه بهذا الشكل الحقير، ودعا لهذه "الصداقة"، ويشيح بوجهه محتقراً لكل من وقف متفرجاً من مشاهد تدمير وطنه!
أهم من كل هذا، علينا أن ندرك أن المعركة لم تنته بعد، وأن هذا المشروع مازال يحتاج إلى موافقة مجلس النواب عليه، كما أنه (على العكس مما يروج دعاته) حتى إن أقره البرلمان المليء بالثعابين وإمكانيات تزوير الأصوات التي طالما تحدثنا عنها، فيمكن وقفه من قبل أي نائب لرئيس الجمهورية ، وكما فعل ذلك الهاشمي وعادل عبد المهدي في الماضي مرات كثيرة. فالمالكي ذاته يستطيع إن امتلك الشجاعة هذه المرة ووجد الدعم الشعبي الكافي للرفض الذي يؤمنه من الخطر المحدق بكل من يقف على رجليه في عراق اليوم، وقرر الثبات على رأيه، ووقف بوجه ما يقول أنه يراه "بداية خطيرة على وحدة العراق". الوقوف الشعبي ضد القرار أمر حاسم هذه المرة، فالفارق مع حالة الهاشمي هو أن أميركا كانت تدعم الجانب المعترض على القوانين لشل البلد، وهي الآن تقف بكل شراستها مع مشروع أجندتها المهم هذا، ولا يأمل من يقف بينها وبينه أن تعامله بلطف. علينا أن نفهم أنه يجب إسقاط هذا المشروع بأي ثمن، وأن نقف مع من يعترض عليه ويستعد للمخاطرة بنفسه بكل قوة!
في الحلقة الثانية سوف نتناول الطرق المختلفة التي اتبعت لتسويق هذه الكارثة الجديدة على العراق.
|