السهرات الإسطنبولية

( غادرَ التاجِر الكبير ، أقليم كُردستان ، مُتوجهاً الى تُركيا .. لتوقيع العقود المُهّمة مع الشركات التركية ، والتي ستدُرُ على الجانبَين ولا سيما الجانب التركي ، أرباحاً طائلة . وبعد إنتهاء مراسم التوقيع .. عَرَضتْ عليهِ إحدى المنتسبات للشركة التُركِية " بتواطؤٍ وتوجيهٍ من رئيس الشركة " ، وكانتْ بارعة الجمال ، أن يُكمِل سهرتهُ معها في شُقتِهِ ، في ليلتهِ الأخيرة.. وهذا ماكان ينتظره بِتلَهُف ، فوافقَ على الفَور . في الطريق ، قالتْ لهُ : .. هل تُريد سهرة عراقية أم سهرةً إسطنبولية ؟ .. فسألها : وما هو الفرق بينهما ؟ أجابتْ : السهرة العراقية ، تقتصرُ على مُمارسة الجنس بسُرعة وخشونة وينتهي الأمر . أما الإسطنبولية ، فتشمُل الرقص والغناء والإغراء والدَلَع .. الخ . فقالَ : أريدها سهرة إسطنبولية ! . بعد ان جّهزتْ المائدة العامرة بالويسكي وأنواع المّزات ، إرتدتْ بدلة رَقص شفافة ، وشّغلتْ المُسّجِل .. وبدأتْ تتمايل وتتغنج .. وتُناوله بين الحين والحين ، قدحهُ الذي يكرعه مُنتشياً .. وضعتْ خلسة قرصا مُنّوماً في المشروب .. وما أن إنقضتْ ساعة ، حتى كانَ قد فقدَ الوعي من دون أن " يفعل " شيئاً، وسقطَ رأسهُ على المائدة وإصطبغ جبينه بمحتويات صحون المّزات . غادرتْ الفتاة بهدوء وتركته هناك . في الصباح الباكر ، إستيقظ مع صداعٍ قَوي .. وإستطاع بالكاد ان يصل الى موعد الطائرة . لاعناً أبو " الطريقة الإسطنبولية " ، فبدلاً من تمتُعِهِ بليلةٍ حمراء ، كما كان يتمنى ، فأنه قضى ليلتهُ نائماً ورأسه في صحون المّزة ، وفوق ذلك فأنهم قاموا بتصويرهِ كاملاً ، من اجل إبتزازه لاحقاً ! ) .
................................
كما يبدو ، فأن العقود والإتفاقيات المُبرَمة ، بين أقليم كردستان والحكومة التركية والشركات التركية .. في مجالات التجارة والنفط والغاز والأمن وغيرها .. ليستْ بعيدة كثيراً ، عن مثال التاجر أعلاه . فتُركيا " الصديقة الصدوق " ، لم تُحّرِك ساكناً ، حين إحتلتْ داعش مدينة تلعفر ومن ثُم سنجار.. وبعد سقوط مخمور بيد الإرهاب ، هّبَ العالم لِمُساعدة الأقليم ، عسكريا ولوجستياً .. إلا تُركيا ، فقالتْ أنها لن تُشارِك في قصف دولة الخلافة الإسلامية ! . وحتى أموال نفط الأقليم المُباع من خلال تركيا ، توضَع في بنكٍ تُركي ، وهنالك الكثير من العراقيل ، في وجه تحويلها الى الأقليم . البرلمان التركي ( شاذاً عن جميع برلمانات العالم ) ، يصدر قراراً بالتدخل العسكري في كُل من سوريا والعراق ، بحجة مُحاربة [ الإرهاب ] .. وتركيا ، تعني بالإرهاب : حزب العمال وحزب الإتحاد الديمقراطي ، ولا تعني داعش في الحقيقة .
مئات الشركات التركية المختلفة ، منتشرة في الأقليم ، بعمالها ومهندسيها .. ولقد إستطاعتْ تُركيا ، خلال العشرين سنة الماضية ( بِسوء تصّرُف سياسيينا وغفلتهم وتواطؤهم ) ، من تحويل إقتصاد الأقليم ، الى مُجّرَد تابعٍ لتُركيا .. وجعل شعب الأقليم ، شعباً مُستهلكاً بإمتياز ، غير مُنتِج إتكالي . ولأننا أصبحنا كذلك ، ولأن قادتنا إرتضوا بهذه السياسة .. فأننا نُواجِه الأزمات المتلاحقة واحدةً أثر أخرى . ومن تداعيات ( هذه العلاقة الإشكالية : علاقة الأقليم بتُركيا ) .. تدهور العلاقات مع بغداد . في حين كان من الأصح ان نتمسك بعلاقات جيدة مع الحكومة الإتحادية ، ونُطورها .. ونُذّلِل الصعوبات والمشاكِل .. لأن طريق ( دولة كردستان ) المُستقبلية ، يَمُر من بغداد وليس من أنقرة او طهران . علينا التفاهُم مع عرب العراق ، بالتراضي وبتبادُل المصالح المشتركة ، وبالإتفاق على خارطة طريق إستراتيجية ، لمستقبل العراق وكردستان . 
.......................
ان النظام التركي ، يدرك نواقصنا وأمراضنا النفسية .. ويزرع الأمل في نفوسنا ، في كُل عَقدٍ أو إتفاق .. بأننا سنقضي " سهرةً إسطنبولية رائعة " بعد التوقيع .. ثم نكتشف بأننا نُوِمْنا وفقدنا الوعي ، بدون ان نفعل أي شئ !.
لو كُنا قنعنا ب " سهرةٍ عراقية " ، رغم خشونتها وإبتذالها .. لكانَ أفضل كثيراً من السهرات الإسطنبولية المُخادِعة . واللهُ أعلَم .