أطفال التركمان يتسولون في الشوارع !

"عمي الله يخليك اشتري مني !! " كلمات صافحت أذني وأنا أسير في عربتي متنقلاً بالطريق الرابط بين ( كربلاء – النجف ) ليلاً ، ولما تحريت عن مصدر الصوت وجدت أطفال بعمر الورد ذكوراً وإناثاً لم يتجاوز أعمارهم 10 سنوات ، واقفين في الشارع قرب السيطرات بين المحافظتين، وبأيدهم قناني الماء وبضعة مناديل يبعونها للمارة من أجل الحصول على بعض المال لسد حاجاتهم اليومية، والأمر المحزن إنهم يتوسلون لأصحاب السيارات المارة كي يقنعونهم للشراء منهم ، فترى بعض المارة منهم من يعاملهم بقسوة وينهرهم ومنهم من يعطف عليهم ويرق لحالهم ! 

وعندها أوقفت عربتي وسألت مستغرباً : " من وين انتم عمو ؟ ، وشتـسـون بهذا الليل في الشارع ؟".

قالوا لي : " نحن أبناء التركمان من تلعفر، هجرنا قسراً من مدينتنا نتيجة تهديدنا من قبل عناصر داعش واستقـرنا هنا وعلى هذه المواكب بشكل وقتي لحين ان يفرج الله عنا "، ولما سألتهم عن السبب ، قالوا: " لا نملك مالاً شيئاً كي نعيش ! فننزل الى الشارع يومياً ونبيع بضعة قناني من الماء وبعض مناديل للمارة لغرض ان نكسب مالاً كي نشتري بها قوت يومنا ونعيش فيها !! ".

 

هذا الموقف الإنساني هز كياني وأنا جالس في عربتي ولم استطع النطق بسبب العبرة التي خنقتني، وأنا انظر إلى هؤلاء الأطفال وفي عيونهم براءة طفولة ، وشعاع يخرج منها مليئُ بالعتاب ويغلب عليها الهموم والمأساة التي عاشوها على صغر أعمارهم ، حينها تذكرت المقولة " ارحموا عزيز قوم ذلُّ  !! ".  

نعم أنهم كانوا أعزاء قوم في مدنهم أذلاء ، فالعمل بشتى أنواعها ليس عيباً ولا حراماً لكن الأمر يصل إلى هذا المستوى ويصبح هؤلاء الأطفال الأبرياء وعوائلهم مشردين ومذلين في الشوارع والأزقة من اجل البحث على الحياة الكريمة بعد أن كانوا معززين ومكرمين في مناطقهم لولا ظلم الإرهاب عليهم. إنها وصمة عار لكل من يدعي انه ممثل عنهم في الحكومة والبرلمان ولا يعير أهمية ولا يهتم على حالهم المأساوي لإنقاذهم ! 

اليوم يصادف 11 تشرين الأول/أكتوبر "اليوم العالمي للطفلة" وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في يوم 19 كانون الأول 2011  وذلك للاعتراف بحقوق الفتيات وبالتحديات الفريدة التي تواجهها الفتيات من التمييز والعنف بشكل يومي في جميع أنحاء العالم.

لذلك نطالب المنظمات الدولية المختصة بمجال حقوق الإنسان ان تركز ضمن برامجها لهذا العام في العراق على حماية الأطفال النازحين في داخل الوطن جراء العمليات الإرهابية بعد أحداث الموصل في حزيران الماضي 2014 مما أدى إلى تهجير آلالاف من الأطفال والنساء والشيوخ من المكونات العراقية المستهدفة ( التركمان ، الايزيدين ، المسحيين ، الشبك ) وفضلا عن تعرضهم الى العنف الجنسي من الاغتصاب الجماعي للنساء والفتيات النازحات من التركمان والايزيدين على أيدي عناصر داعش وخصوصا في المناطق التركمانية وغيره مثل " تلعفر ، البشير ، بيراوجلي ، قرة ناز ، جرداغلي ، قره قوين ، قرة ناز  و سنجار ووووالخ" ولا يزال العديد منهن في حوزة الارهابين وهم يبعونها في السوق النخاسة بالموصل !   

والجدير بالذكر  ان اغلب النازحين التركمان من تلعفر وبعض من المناطق التركمانية يسكنون في المواكب الخاصة لخدمة الزوار الإمام الحسين (ع)  على طريق الرابط بين ( كربلاء – النجف ) وبما أننا مقبلون الى شهر محرم الحرام وفيها مراسيم خاصة لإحيائها سنوياً من زيارات المليونية " العاشوراء والأربعين"  فيقصد الملايين الزوار من العالم صوب كربلاء فيسلكون هذا الطريق ، لذك يجب إفراغها عاجلا ام آجلا وخلال الأشهر القادمة، إذن أين سيذهب هؤلاء النازحين إذا طلب منهم المغادرة وعددهم ما يقارب بالآلاف ، هل فكرنا بها !!  

وختاما إن مرحلة الطفولة هي المستقبل وحماية الطفولة هي حماية للمستقبل لذلك يجب حمايتهم كي نضمن المستقبل ونهتم بدراستهم ولا نشجعهم للتسول في الشوارع قد يتعرضوا أثناء ذلك الى العنف بشتى أنواعها واستغلالهم من قبل الإطراف فبالتالي يؤدي الى تغيير سلوكهم وبالنتيجة نبني جيلاً من الجهل والفساد في المجتمع !! .

فلنكن مهتمون بحماية أطفالنا من انتهاك حقوقهم وسرقة طفولتهم ! ويجب ان نسعى جاهدين بتأمين مناطقهم بأسرع وقت ممكن لإرجاعهم إلى أراضيهم وإلا سوف يكونون في وضع إنساني يرثى لها وسنرى المزيد من تلك الحالات التسول في الشوارع والأزقة إذا لم نسعى لإنقاذهم ، ان كنا فعلا لا نريد أهانتهم وانتهاك حقوقهم فالتاريخ قد يغفر حرب الكبار بعضهم ببعض من التبرير والأعذار ولكن الحرب على الأطفال وانتهاكهم بهذا الشكل المقزز لا يوجد مبرر له حتى في كتب التاريخ التي ستوجد في المستقبل وعندها سنتعرض لمحاكمات من أحفادنا فهل جهزنا إجاباتنا.. !!