نِساءٌ .. ونِساء

اليوم إتصلَ بي صديقٌ من كُرد برلين ، وقال أنه حضرَ حفلة زواج إبن أحد معارفهِ .. وإسترعى إنتباههُ ، ان البعض من النساء والفتيات ، يتحَلَينَ بكمياتٍ مُبالغٍ بها ، من المصوغات الذهبية ، وكأنَ هنالك سباقٌ على مَنْ هي صاحبةُ أكبر كمية من الجواهِر ! . يقول صديقي : .. بطريقةٍ لا إرادية ، تراءَتْ لي صُور المُقاتلات في كوباني ، المنشورة على صفحات التواصل الإجتماعي بِكُثرة هذه الأيام .. بما يحملنهُ من سلاحٍ يُدافعنَ بهِ عن مدينتهنُ وكرامتهنُ .. وقارَنْتها ، مع بعض الحاضرات في الحفلة .. فأصبتُ بالدَهشة ، مِنْ هَول الفَرق ، بين الحالتَين ! . إمرأةٌ كردية جيدها مُثقَلٌ بنصف كيلوغرام من الذهب ، تتعمّد النهوض بين لحظةٍ وأخرى والتحرُك هُنا وهناك ، حتى يرى الجميع ما لديها من حُلي ، في حفلة عُرسٍ في برلين .. وإمرأة كردية يُزَين شريط الرصاص جيدها ، حاملةً بندقيتها على ساترٍ في مشارف كوباني .. إمرأتان كُرديتان ، في نفس اللحظة .. لكن في عالمَين مُختلفَين كُل الإختلاف . أنهُنَ نساءٌ .. ونساء .
طبعاً ليس المطلوب .. أن تكون جميع النساء مُقاتلات . ولا من المُنصِف لَوم النساء والفتيات الكُرديات في بلدان المهجَر ، على إهتمامهُن بشكلهُنَ ومظهرهُنَ ، وحتى بجمالهُن . ولا يعني ما وردَ أعلاه ، ان نساء الكُرد ، في أقليم كردستان .. أقل ولعاً بالتزّيُن بالذهب وبالمظاهِر عموماً، بل على العكس ، فأنهنُ مُلتصقاتٌ بهذه العادة السيئة ! . وإذا كانتْ النساء هُنا في الأقليم ، يُعانَينَ من هذا المرض الإجتماعي الموروث ، الناتج عن التخلُف وقِلّة الوعي وطُغيان الزَيف والنفاق المُجتمعي . فأنهُ من المُؤسف ، ان توجد [ بعض ] النساء الكرديات ، في بُلدان المهجَر .. وبعد مرورِ سنواتٍ طويلة على تواجدهُن هناك .. ما زُلنَ مُحتفظاتٍ ، بنفس عَقلية المظاهِر وإقتناء الذهب ، ومَيلهُنَ الى التفاخُر الساذج به ، في مُناسبات الأعراس وغيرها .
الفرقُ بيننا ، وبين الشعوب الأكثر مِنّا وعياً وتقدُما .. ولأحصُر المسألة في موضوع حفلة العرس في برلين : .. فعلينا أن نتعلمَ ثقافة " التضامُن " و " التكافُل " الطَوعي ، بعيداً عن التحزُب .. فيا حبذا ، لو بادرَ المُحتفلون ، الى التبرُع كُلٌ بحسب إمكانياتهِ ، لكوباني الصامدة .. لنازحي سنجار المنكوبة ... الخ . حتى إذا لم يجمعوا شيئاً كثيراً .. لكن مغزاهُ هو المُهِم . فحتى المواقف الرمزية ، لها دلالتها وتأثيراتها الإيجابية .. وبدلاً من التباهي الفارِغ بالمصوغات .. كان الأجدى بهؤلاء البعض .. أن يُبادرنَ بالتبرع ولو بغراماتٍ قليلة من ذهبهُنَ .. دعماً للأطفال النازحين من سنجار وبعشيقة .. تضامُناً مع المقاومة الباسلة في كوباني وجبهات القتال الأخرى ، ضد الفاشية الداعشية .
طبعاً .. حين أنتقد إنغماس [ بعض ] النساء في المظاهِر السخيفة .. فلا أعفي أنفسنا أي الرجال .. بل ان الرجال في الواقع ، هُم المُنافحون والمُدافعون والساهرون .. على القِيَم الإجتماعية المُتخلِفة ، والتقاليد العشائرية البائسة ، والتفسيرات الموتورةِ للدين والشريعة .. هذه المفاهيم الرجعية ، التي من تداعياتها : الإهتمامُ بالمظاهِر .