الجُهلاء!!

                           "أسْوأُ مَصائبِ الجَهلِِ أن يَجهلَ الجاهلُ أنّه جاهلٌ"

مَن يتمعن في الحياة ويتبحر بالعلوم والمعرفة يتوصل إلى حقيقة كبيرة مفادها , إننا لا نعرف إلا القليل القليل , ومهما توهمنا بالمعرفة والعلم , فأن قدراتنا متضائلة أمام قدرة مبدع الأكوان, وما نعرفه لا يساوي قطرة من محيطات ما نجهله.

نحن مخلوقات ضعيفة تتوهم أشياء كثيرة , ولا قدرة لنا ولا قوة على التفاعل مع المطلق البعيد. ونتمحور حول  نظريات وتصورات متنوعة , بل وأوهام مهيمنة على وجودنا الدنيوي.

فما نعرفه قليل جدا بالمقارنة إلى ما لا نعرفه وندركه.

فحواسنا محدودة في قدراتها على السمع والبصر والإحساس , وما أرانا إلا نعيش في وهم المعرفة والإدراك.

فلسنا ندري وندّعي ندري.

ولسنا نفهم ونجزم بالفهم والخبرة وامتلاك الحقائق , ومفردات الوعي والعلم بمكنونات الأحداث والتطورات.

نحن أصغر من أن نعرف وأقصر من أن ندرك , وليس عندنا إلا وعي بسيط وفهم قليل , ورأي ضئيل وفكر قاصر.

فالعلم بعيد والفهم حديد.

وما علينا إلا أن نتفاعل مع محدوديتنا ومرتكزات ضعفنا وقصورنا, وأن نتواصل مع بعضنا من أجل الحصول على بعض الفهم والرأي والإدراك.

إن الذي يريد أن يعلم عليه أن يتعلم , ويتفاعل مع العقول المتعلمة ويخاطبها ويعقل ما يدور في أفلاكها , ويتحاور ويتبادل الرأي والأفكار , حتى يصل إلى فهم معقول ورأي مسئول , وإلا سيعبث به المجهول.

إن مصيبة البشرية تتلخص بهذا الشعور الزائف بالمعرفة والقدرة على الفهم , ويحسب البعض فيها أن العلم ينتهي عنده وأنه الأصوب.

وبسبب الجهل المكيد , يتوهم الكثيرون بأنهم يحتكرون الحقيقة المطلقة وينسفون ما عند غيرهم.

وهذا الإدّعاء هو الجهل , ووهم المعرفة هو الجهل بعينه.

فالتفاعلات الجاهلة في المجتمعات , هي التي تخلق الشقاء وتنمّي الأحقاد والبغضاء , وتقضي على المحبة والآخاء بين الناس بمختلف ألوانهم ومشاربهم وعقائدهم.

 

"ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس له نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد".

 

هذا الإنسان الذي لا يستخدم عقله في معظم الأحيان , ويلجأ إلى نفسه المنفعلة , التي تسخر العقل وتستعبده وتوظفه لكي يعبّر عن رغباتها ونزعاتها المختلفة الضارة.

ومن الملاحظات التي تثير الإعجاب وتؤكد محدودية العلم البشري , أن العلماء الأجلاء عندما يعطون رأيا في موضوع ما , يقولون في نهاية حديثهم والله أعلم.

وفي التفاعلات العلمية على مختلف مستويات المعرفة العالمية , تجد العلماء الأقحاح في غاية التواضع والإعتراف بأنهم يعلمون هذا القدر,  وأن فوق علمهم علم فياض لا يمكنهم الوصول إليه وكأنهم يقولون ألله أعلم.

مَن عَلِمَ تواضع واستكان إلى الرحمة والخشوع , ومَن جَهلَ تكابر واستبد وأفرط وفرّط في كل شيئ.

فالطغيان في الحياة جهل والإستبداد جهل.

والسيئات إنما هي من إنتاج الجهلاء الذين يحسبون أنهم يعلمون , وينكرون قول الله تعالى:

 

 "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا".

 

إنّ عدم التعقل والإمعان بالجهل وحسبانه معرفة ووعي , إنما يتسبب في الكثير من الويلات الاجتماعية والمآسي البشرية.

ولو نثابر على المعرفة والعلم , لتحولنا إلى وجود متطور ومجتمع راقٍ , يكون مثالا للتفاعل الإجتماعي الطيب في الأرض.

وبعضهم يرمي بما نحن فيه على الآخرين ويبرؤنا من أخطائنا , وهذا موقف إسقاطي وتبريري غير مقبول , لأنه يغيّب سؤالا كبيرا عنوانه , وماذا فعلنا نحن من أجل خيرنا وقوتنا؟!

لقد استثمرنا في الجهل والأمية , ومارسنا سياسة التجهيل المعرفي والديني , وأمعنا في المذهبيات والطائفيات , فدمرنا روح الأمة الواحدة ,التي هي عماد الدين الأقوى والأصلح.

 

" إنّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدونِ".

 

وما منا مَن يتعقل ويدوس على ما يَندُسه من نداءات القوة السيئة الكامنة فيه.

فهيا إلى العلم والعمل بمبادئ الدين الحنيف , والإبتعاد عن حضارة القول الذي لا يعرف فعلا , بل يُحسَب أنه الفعل وكفى.

كنا نقول ما نفعل , وأصبحنا نقول ما لانفعل , وأمست أفعالنا أقوالا.

بل أن أفعالنا في أكثر الأحيان تكون مناقضة تماما لأقوالنا.

فهيا إلى خير العمل , ونهج العلم والمعرفة , وتبت يدا الجهل وتب ما صنع!!

 

"فلا تكونن من الجاهلين"

 "وقل ربي زدني علما"

 

د-صادق السامرائي