العراق تايمز ــ كتب الدكتور عزيز الدفاعي: لم يعد سرا أن اكبر عملية نهب للأموال شهدتها دولة في العالم قد وقعت في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 والذي بدد من قبل مئات المليارات من عوائد النفط والديون في محرقة حروبه وبرامج تسلحه التي قادت العراق في النهاية ليسقط بيد الاحتلال الأمريكي الذي فشل هو أيضا في وضع العراق على السكة التي تقوده نحو الاستقرار وتعيد إنعاش اقتصاده وتحقق لشعبه السلام .
فبعد ايام من دخول القوات الأمريكية لبغداد ربيع عام 2003م توجهت قافلة من العربات المصفحة المخصصة لنقل الأموال الى قاعدة ( اندرو ) الجوية قرب العاصمة واشنطن لتفريغ حمولتها غير المعتادة من كتل البنكنوت الأمريكي من فئة المائة دولار التي كانت تفوح منها رائحة الأوراق الخضراء البراقة التي سحبت من حساب الحكومة العراقية المجمد لدى الولايات المتحدة الأمريكية والتي نقلت الى ظهر طائرة للبنتاغون من نوع C-17 توجهت الى بغداد بامر من الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن لتوفير الأموال للقادة العراقيين الجدد وتقديم جرعه إنعاش لاقتصاد أنهكه حصار استمر 12 عاما راح ضحيته حوالي 1،8 مليون مدني عراقي أودى بهم الجوع والمرض . وخلال عام ونصف تم إرسال 12 مليار دولار أمريكي للعراق عن طريق الجو و خمسة مليارات دولار أخرى عبر التحويل المصرفي الالكتروني. ولكن ما الذي حصل لتلك الأموال وكيف تم إنفاقها وأين توجهت في نهاية المطاف خلال تلك الحقبة المضطربة من الاحتلال الأمريكي للعراق التي مثلت قمة الفوضى وعدم وضوح الطريق والقرارات الخاطئة للإدارة الأمريكية التي وقعت في اختيار مثير للتساؤل حول من أوكلت لهم من العراقيين إدارة شؤون دولة عانت طويلا من الدكتاتورية وعسكرة الاقتصاد وسوء القرارات التي حرمت الشعب العراقي من ثرواته وأمواله ؟؟؟
لا يمتلك احد إجابة دقيقه وواضحة حول هذا السؤال الخطير والمحرج فالأمر لا يتوقف فقط على فساد داخلي في بلد لم يكن يخضع لأي نظام او محاسبه حول الإنفاق الحكومي إنما يمس أيضا مئات الأمريكيين الذي عرفوا بالمتعاقدين الأمريكيين الذين تعاون معهم بول بريمر لتنفيذ المشاريع الأمريكية في العراق والتي تم منحها بالباطن لمقاولين عراقيين وكانت بداية لعمليات نصب واحتيال تسربت من خلالها مليارات الدولارات وبعضها مول لاحقا عمليات الإرهاب التي تفجرت ضد القوات الأمريكية والمدنيين العراقيين .
ان البحث عن إجابة حول مصير تلك الأموال شغل STUART W BOWEN JR احد أصدقاء الرئيس الأمريكي السابق الذي عينه لتقصي مصير تلك الأموال الطائله التي اختفت في العراق وكأنها ابتلعت في أعماق محيط مجهول حيث أطلق عليها اسم لجنه ( BRICK TRACKER). وقد عمل باون ومساعديه لسنوات طويلة لسبر اغوار تلك العملية المعقدة حيث اكتشفوا ان 1،6 مليار -$- من تلك الأموال مثلا تم نقلها سرا الى مخبأ تحت الأرض في منطقه ريفية في إحدى قرى لبنان لكنهم تكتموا على تلك المعلومة لسنوات طويلة لأسباب مجهولة يتعلق بعضها بسرية تحقيقاتهم . فيما يرى مراقبون ان الأمر برمته وشبهات الفساد يتعلق بشخصيات سياسية أمريكية وعراقية متورطة بأكبر عمليات سرقة للمال العام عرفتها دولة في العالم خلال العقود الأخيرة وبصورة سافرة وهو ما كان يلقي بظلال سوداء أيضا على المشروع الأمريكي في العراق الذي رسم معمارية السلطة الجديدة والنظام الديمقراطي في بغداد المرتبط بالفساد على أنقاض النظام الدكتاتوري السابق.
غير أن باون ولأسباب غير مجهولة اختار ان يخرج عن صمته ويبوح بما لديه من إسرار مؤخرا منتقدا إدارة بوش واوباما معا بشان مصير تلك الأموال التي نهبت في العراق حيث صرح قائلا ( مليارات الدولارات سرقت من العراق خلال العقد الأخير ولقد توصلنا لنتائج بهذا الشأن غير إني شخصيا غير مرتاح للأمر لأننا لا نستطيع إغلاق هذا الملف لأسباب تعود خارج صلاحياتنا ).!!! ويكشف رئيس لجنه التحقيق الأمريكية الخاصة بسرقة الأموال العراقية انه تحدث تحدث شخصيا مع رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي غير انه لم يتحرك لاستعادة تلك الأموال ولم يبد اهتماما بالموضوع او يتحمس له حسب تعبير باون !!! ويضيف قائلا لقد أبلغت مكتب التحقيقات الفدرالي وكذلك جهاز المخابرات المركزية FBI& CIA من اجل متابعة الموضوع واسترجاع تلك الأموال الطائلة التي تعود للشعب العراقي لكني لم أجد استجابة منهم او تحركا جديا وكان جوابهم( أنها أموال العراقيين التي سرقها عراقيون )!!!!! باون وبلغه مليئة بالحزن والإحباط يواصل سرد تفاصيل القضية مشيرا إلى انه حاول بصورة شخصية متابعة هذا الملف الخطير وتوجه الى لبنان لهذا الغرض لكن السفير الأمريكي في بيروت اعترض عمله (حيث لم احصل على موافقة للقيام بزيارة في مهمة رسمية للبنان وتلقى اثنان ممن يعملون معي كمحققين منعا من الدخول هناك او التوجه الى المكان الذي اكتشفنا ان الأموال العراقية المسروقة قد وضعت فيه تحت الأرض في سرداب سري ولم نعد متأكدين بعد ذلك ان مليارات الدولارات لازالت هناك او أنها نقلت الى مخبأ أخر غير إننا علمنا ان هناك ذهب بقيمة 200 مليون دولار مخبأ أيضا عرفنا انه يعود للحكومة العراقية )!!!! . تلك الأموال التي كانت محور تحقيق المسئول الأمريكي خصصت كما اشرنا لأعاده إنعاش الاقتصاد العراقي وتحريك عملية إعادة الأعمار ومصدرها برنامج (النفط مقابل الغذاء) الذي تم الاتفاق بشأنه بين العراق والأمم المتحدة عام 1996 والذي تعرض بدوره لعمليات فساد منظم تورط فيها حتى نجل الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان وشخصيات سياسية من مختلف دول العالم حيث وضعت عوائد تصدير النفط العراقي في حساب ( صندوق التنمية العراقي ). وفي عام 2004 نقلت سلطه التصرف بتلك الأموال لسلطه التحالف المؤقتة التي مثلها السفير الأمريكي بول بريمر الذي تصرف بتلك الأموال وفق رغباته ومزاجه.. حيث يذكر مسئول عراقي بارز انه أبدى تحفظات على طريقة صرف بريمر للأموال بعدم مسئولية وحرص فما كان من بريمر ان ابلغه انه يمتلك صلاحيات صدام وسلطه الاحتلال وما يراه ضروريا!!! . في عام 2006 اعترف المسئولون الأمريكيون باختفاء 6،6 مليار دولار أمريكي مخصصه لإعادة اعتمار العراق . في فبراير من نفس العام كشف ROBERT STEIN , وهو مسئول رفيع المستوى اعد تقريرا رقابيا عن طريقة تسرب الأموال العراقية في قنوات غير شرعية ان الفساد الحكومي كان وراء نهب تلك الأموال التي تحولت الى جيوب كبار المسئولين وأحزابهم والمافيا الجديدة المرتبطة بهم من رجال الإعمال ووجه اتهامات لوزراء عراقيين بسرقة الأموال وفق أدلة دامغة . والغريب ان من بين المتهمين بالفساد وسرقه حوالي 5 ملايين دولار آنذاك مسئول عراقي بارز اصبح في موقع رفيع المستوى ألان!!!!!
|