التحالف الوطني بين الوطنية والتشيع |
يرى الكثير من الباحثين, أن عملية التغيير التي حصلت في العراق بعد عام 2003, تمثل منعطفا مهما في تأريخ العراق وتأريخ الدين الإسلامي؛ فالمعهود على صعيد الفكر والسلطة والمجتمع, أن العراق وعلى مدى أكثر من 1350 عام, كان يمثل جزئا من تركيبة بنيوية أساسها مذهبي طائفي, ونتاجها وعي مجتمعي عربي وإسلامي, قائم على مفهوم أن الحكم والسلطة في هذا البلد, هو الذي يمثل المذهب أو الطائفة السنية. الإنحراف الكبير الذي شكله سقوط الطاغية صدام حسين, إنما يمثل في حقيقته فرط عقد لسلسلة طويلة ممتدة عبر التأريخ, مكونة من ظلم وإستبداد حكام طغاة تعاقبوا على ظلم الشعب العراقي عموما, والمسلمين من أبناء المذهب الشيعي خصوصا, إبتدأت الحلقات الأولى لهذه السلسلة, من تحويل الخلافة الى ملك عضوض على يد معاوية ابن أبي سفيان, وإستمرت في امتدادها التأريخي في حكم طغاة الدولة الأموية, والعباسية, والولاة المماليك, والعثمانيين, ودهاقنة الإستعمار وممثليهم, حتى إنقطع بعد أن وصل ذروته على يد صدام حسين. التغيير الذي حصل بعد عام 2003, أفرز في شكلانيته السياسية, تنوعا كان في ظاهره تفرق وتشرذم, ولكن الناظر الى حقيقة الموضوع, سيجد أن هناك توحدا بدأ يطفو الى السطح من خلال هذا التفرق, فكان تأسيس التحالف الوطني العراقي الشيعي, البادرة الأولى لطرح مفهوم الوحدة في العمل والفعل السياسي العراقي, وكان يمثل التجربة الأولى التي كانت تمثل في ملبسها, أثوابا مذهبية لطائفة معينة, إلا أنها كانت تمثل في ممارستها الواقعية إندماجا حياًّ, لصهر المختلف السياسي, وإرجاع البوصلة السلطوية في بناء الدولة العراقية, نحو مفهومها الوطني الجامع للمختلفين. التحالف الوطني العراقي, لم يتعامل يوما أو يصرح أو يفكر أو يصدر, أي لون من ألوان التعاطي الطائفي المنحصر في زاوية التعاطف المذهبي, بل كان وبكل ما نتج عنه, يدعو إلى نبذ سياسات التهميش والإقصاء والإبعاد, بل وحاول جاهدا في كثير من إصداراته السلوكية, أن ينتج علاجات فعالة تقاوم التسمم الطائفي, الذي حاولت بعض الأطراف السياسية العراقية والإقليمية والدولية, حقن العملية السياسية به. إن النجاح المأمول في الممارسة السياسية للتحالف الوطني, قائمة على أساس مهم, إضافة الى ما سبق, وهو إمكانية تعاطي منهج التحالف الوطني ومنظومته الفكرية, مع مفهوم الدولة المدنية (الغير طائفية), والتي تكون متميزة بتوليفة عميقة تجمع فيها بين نقيضين (الدين, والسلطة), بحيث يكون نتاج النقيضين بعيدا عن مفهوم إستحواذ الدين على السلطة (الدولة الدينية), وبعيدا عن عزل الدين عن السلطة (الدولة اللادينية). لايمكن لأي قوة أو دولة, أن تخلق من تركيبة المجتمع العراقي مسخا طائفيا, يقدس قادة طائفيين, يعيدونه نحو الحلقات التأريخية الأولى من مسلسل القتل المذهبي, لأن ما يحتاجه العراق في الوقت الراهن, هو إعادة بناء وتموضع في سلسلة البناء المجتمعي والوظيفي, والعلمي, والسياسي المعاصر, ببعده الدولي, والداخلي؛ لذا فالتحالف الوطني, الذي عُرف عنه خلال 11 عاما السابقة, مواقفه التوحيدية والعقلانية, إضافة الى تمكنه دستوريا من التحرك السياسي, كونه الكتلة الأكبر برلمانيا, فهو الوحيد القادر على إعادة ما فرط من عقد القرناء السياسيين, والتوجه نحو بناء دولة قوية, تملك كتلتها الكبرى حسا وطنيا إحتوائيا واضحا. *ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصر. |