كركوك وبدعة 32% |
تسربت قبل أيام الى وسائل الإعلام العراقية مسودة لمشروع قانون تأسيس قوات للحرس الوطني من أبناء المحافظات لتتولى مهمة حماية الأمن والاستقرار فيها، هذه المسودة وبدلا من التأكيد على إقتصادها على المناطق التي تعاني أوضاعا أمنية غير مستقرة بسبب تهديدات الإرهابيين، نراها تشير الى نية غير سليمة للتدخل في الوضع الأمني لكركوك، رغم أن كركوك ليست ضمن المدن غير المستقرة، وجاء في الفقرة خامساً من المادة الثانية من المسودة : يعتمد تمثيل أبناء محافظة كركوك بنسبة 32% العرب 32% وللكورد بضمنها عناصر البيشمركه و32% للتركمان و4% للمسيحيين وحسب الوحدات الإدارية الرسمية.
هذا التدخل سيؤدي حتما إلى نتائج سلبية وتعقيد الأوضاع، لأن قوات البيشمركه والآسايش الموجودة حاليا في كركوك كفيلة بحماية مكوناتها وطوائفها وبنيتها التحتية، وقد قدمت في هذا السبيل المئات من الشهداء والجرحى، كما أن تشكيل أي قوة أخرى فيها، وخاصة وفق (بدعة) أو نسبة 32 في المائة للكورد والعرب والتركمان التي لا تتوافق مع الواقع الجغرافي والتاريخي للمدينة، ونتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة وعدد السكان حسب سجلات الاحوال المدنية أوسجلات توزيع المواد التموينية، وتتعارض معه وقد تكون سببا لتوترات سياسية وأمنية، وتعتبر تصرفا جديدا من الحكومة الجديدة ضد الكورد، وخطوة بعيدة كل البعد عن مبدأ الشراكة الحقيقية في إدارة البلد، وتكرارا للأخطاء التي مررت في الماضي، فلولا قوات البيشمركه التي أثبتت جدارتها لكانت كركوك الآن تحت سيطرة داعش، مثل الموصل وتكريت والأنباروأجزاء من ديالى.
كركوك والمناطق الأخرى، التي تسمى بالمتنازع عليها، هي التي جسدت تصورات الكورد السياسية وعلى أساسها بنى الكوردستانيون شكل علاقاتهم مع الحكومة الإتحادية، وأن سياسيي العراق العقلاء، سنتهم وشيعتهم، كانوا قد تفهموا المطالب الكوردية وإعتبروها مطالب مشروعة، لاسيما وأن الدستور، ومن قبله قانون إدارة الدولة العراقية، المؤقت إستوعب ذلك التصور والمصلحة الكوردستانية، ورسم على أساسها خارطة طريق وبالذات في المادة 140، تلك المادة التي احتوت على ثلاث مراحل: التطبيع، الإحصاء السكاني، الإستفتاء العام حول تبعية تلك المناطق فيما اذا إختار سكانها البقاء مع الدولة المركزية أم الانضمام الى إقليم كوردستان، ونصَّ القانون على انهاء تنفيذ كل إجراءات المادة ١٤٠ قبل ٣١ / ١٢ / ٢٠٠٧، اي قبل أكثر من سبع سنوات، ولكن تلك المادة الدستورية لم تنفذ، بل وجرى تسويفها وتعطيلها بذرائع شتى، وسعت حكومتا المالكي خلال ثمان سنوات عجاف إلى إيقاف تنفيذها بكل الوسائل، بل وماطلتا في تنفيذ ما وقّعتا عليه، والإنقلاب عليه فيما بعد، لأنها كانت تخشى نتائج الإستفتاء المتوقعة، رفضت حكومتا المالكي تنفيذ الدستور لكي لانحصل على حقوقنا في كركوك والمناطق الكوردستانية خارج الإقليم بالموصل وصلاح الدين وديالى.. ورضيت بأن تزج نفسها في صراع ضدنا لا ناقة لها فيها ولا جمل.
اليوم ينبغي على بغداد الإلتزام بضمير الدستور، وأن تراجع هذا القانون جيدا، وأن تعترف بأن كركوك مدينة كوردستانية وليست بحاجة الى قوات الحرس الوطني، وقوات البيشمركه قوات ناجحة وتمتلك تجربة كبيرة، وهي جزء من المنظومة الدفاعية العراقية، وقادرة على الحماية أكثر من أي قوة عراقية أخرى تشكل حديثا، كما ينبغي على كل العراقيين وبالذات سكان كركوك كوردهم وعربهم وتركمانهم التفكير بعقل وحكمة وعدم الإصرار على نسبة وبدعة غير صحيحة (لأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)، والنظر بتمعن الى الواقع الجديد وإنضمام كركوك الى كوردستان، عمليا، ومع ذلك فإن الاقليم يريد إجراء الإستفتاء، لأنه ما زال يمارس سياسة الحكمة في التعامل مع جميع الملفات، ويؤكد على ضرورة استكمال تطبيق المادة 140 .
|