مال الدعايات "الحرام"

من أين تموّل الأحزاب حملاتها الانتخابية؟ أعتقد بأن هذا السؤال يكتسب أهمية كبيرة مع بداية الدعاية الانتخابية؛ لأن جواب الأحزاب على هذا السؤال يجب أن يتقدم على إعلانها عن برامجها الانتخابية. وما دام بلدنا غارقاً بالفساد، وما دام أغلب المتهمين بالفساد ينتمون للأحزاب الشريكة بالسلطة، فعلينا ان نعرف، بداية، هل ان هذه الاحزاب تمول حملاتها الانتخابية من مال الفساد "الحرام" أم لا؟. وإذا كانت تفعل ذلك فكيف تطرح نفسها ومن خلال برامجها الانتخابية أمينة على مصالح الدولة والمواطن؟ وإذا كانت هذه الأحزاب لا تمول نفسها من المال الحرام، فمن أين تأتي بالأموال الهائلة، اللازمة للتنافس الانتخابي؟ ثم لماذا لا تُعْلن عن مصادر تمويلها؟ على الأقل لنعرف الصالح من الطالح من بينها، ثم ألا يهم الأحزاب التي لم تتورط بسرقة المال العام، أن تعلن عن مصادر تمويلها؟ لكي لا تُحسب على خانة الفاسدين؟! أم أن الجميع شركاء بالوليمة؟
الموضوع لا يحتاج لذكاء خارق، فما دام الفساد ضارب بأطناب البلاد، وما دامت عملية مواجهته خجولة لدرجة مخجلة، فهذا يعني أن الجميع متورطون بالجريمة.
هناك من يتحدث عن أن أحزابنا الوطنية المبجلة أسست شركات "كبيرة" متخصصة بالمشاريع ذات العلاقة بالوزارات التي تديرها نفس هذه الأحزاب، من اجل ان تكون سرقتها أكثر تنظيما وحرفنة. بل بعض هذه الاحزاب عمل على تأسيس مكاتب اقتصادية معنية بإدارة هذه الشركات والتنسيق بينها وبين الوزراء التابعين للحزب، وإدارة عملية تحويل أهم مشاريع الوزارة إلى هذه الشركات.. على أساس ما تقدم يتأكد لنا أهمية السؤال عن مصادر تمويل الأحزاب، هذه الأيام، لكن، لمّا كان السؤال مهما لهذه الدرجة، فلماذا هو سؤال غائب عن الشارع؟ ولماذا لا يكاد يعتني به أحد؟
أعتقد أن غياب هذا السؤال يؤكد عملية تواطؤ جميع القوى السياسية على تغييبه، الأمر الذي يجب أن يدفعنا كمواطنين إلى الضغط على الجهات السياسية من أجل الكشف عن مصادر تمويلها كشفا قانونياً تاماً. لدينا الفيسبوك يا أصدقائي، هذا العالم الذي أطلق مارد الربيع العربي من قمقمه، فلماذا لا نستثمره لتعرية الفاسدين؟