داعش – ثلاثة حلول أمام العراقي!- ج12

قالت هيلاري كلنتون عن داعش أن الصراع معها سيكون "طويل الأمد".(1) وقال وزير الدفاع الأمريكي السابق بانيتا أن حرب التحالف على داعش ستطول 30 عاماً! (2)

 

دعونا أولاً ، إن كان علينا أن نصدق مثل هذه التصريحات ونأخذها بجدية، أن ننحني إحتراماً للحضارة الأمريكية “العظيمة” التي تستطيع أن تحسب حرباً تطول ثلاثين عاماً!! ودعونا نتخيل العوامل الشديدة التعقيد التي يجب أن يحسبها بانيتا على مدى ثلاثين عاماً، وبضمنها المتغيرات الدولية والإختراعات التي يتوقع أن تتطور في الأسلحة والعوامل الإقتصادية وتأثيرات ارتفاع حرارة الأرض والتلوث.. ليكتشف ضمن كل هذا، ورغم شدة اختلاف طبيعة الجانبين التي تجعل المقارنة مستحيلة الصعوبة، خللاً صغيراً جداً في هذا التوازن الدقيق بين قوتي أميركا وحلفائها من جهة وداعش من الجهة الأخرى، لصالح الولايات المتحدة وحلفائها والذي يحتاج لصغره، إلى ثلاثين عاماً لكي يكبر ويتراكم لتنهار داعش بعدها..ربما! وهذا من الجانب العسكري فقط من المعركة مع داعش، وهناك جوانب أخرى!(3)

 

إن صدقنا هذا والكثير من "الحقائق" أدناه، فيجب علينا نراجع الأمور بروية ونفكر بطريقة: "وداوني بالتي كانت هي الداء"! دعوني أقول مباشرة: لماذا لا نتبنى "الطريقة الداعشية"؟ من من الدول العربية يمكن أن تصمد أمام أميركا ثلاثة أشهر، بل ثلاثة أسابيع؟ هذه أميركا تقول بعظمة لسانها أن الدولة المؤسسة على "الطريقة الداعشية" ستصمد أمامها 30 عاماً! دولة العراق كما هي، قد لا تصمد سنة أخرى مع صداقة أميركا وعداء داعش، فلماذا لا نجرب صداقة داعش وعداء أميركا ما دام ذلك يعدنا بالبقاء مدة أطول بكثير؟ 

 

دعونا نفترض الصدق فيما حولنا ثم ننظر في “الحقائق” ثم نقرر...

 

داعش ابتدأت ببضعة مئات أو ألاف من المقاتلين على سيارات البيك أب، وهي لا تملك أية طائرات مقاتلة أو طائرات أواكس وليس لديها درع صاروخية ولا غواصات ذرية أو قنابل ذكية موجهة بالليزر، وهي ليست معروفة بتقدمها بالنانوتكنولوجي، كما أنها تعاني من نقص خطير في الاسلحة النووية،... لكنها استطاعت أن تبقى على قيد الحياة لسنوات طويلة، بل أنها تتوسع ولا تتقلص! تخيلوا ذلك.. الدولة التي تتبع "الطريقة الداعشية" لن نحتاج أن نصرف أية أموال للتسلح المتطور!

 

 تمكنت داعش من مهاجمة مدن عراقية عديدة وبطرق مثيرة للدهشة وانتصرت في بعضها بدون قتال رغم وجود قوات تزيد عنها عشرات المرات. وتمكنت في أخرى من خوض استمرت ليلة كاملة أو نصف ليلة، دون أن تتمكن القوات العراقية البالغة مليون ونصف و"المجهزة بأحدث الأسلحة" من الناتو كما نعلم، حتى من الإشتباك معها! لقد تمكنت كما يبدو من فرض الصمت اللاسلكي على وسائل الإتصالات الأمريكية الحديثة التي أهداها لنا "أصدقاؤنا"، فلم يسمع الجيش العراقي بالهجمات إلا بعد أنتهائها ولم يأت أبداً إلا بعد أنسحاب داعش. خير مثال لدينا هو الهجوم على عنه وفي المرتين! الهجوم الأول استمر منذ منتصف الليل وحتى الفجر دون أن تتمكن قوات الجيش المرابطة على بعد كيلومترين من المدينة أن تعلم بالأمر كما يبدو(!)، ورغم أن صوت الإنفجارات وصل في هدأة الليل إلى "حديثة"! فيبدو أن لدى داعش أيضاً “أجهزة تشويش صوتية” خارقة سدت آذان الحامية العراقية عن أصوات المعركة التي تدور على بعد كيلومترين منها! وداعش العجيبة تتمكن عند انسحابها من الإختباء عن عيون الأقمار الصناعية والطائرات الأمريكية المتطورة ، حتى في الصحراء المكشوفة!! وتهرب قوافلها في البوادي المفتوحة فلا ترصدها طائرات ولا رادارات ولا أقمار صناعية، فيبدو أنهم أخترعوا "البيك أب الشبح" الذي لا يستطيع الرادار إكتشافه! 

أما قصة هيت فهي الأغرب، حيث أنسحب الجيش فجأة وترك الناس لمصيرها مع داعش(4)، ولابد أن داعش قد اخترقت الشفرة السرية للجيش ووجهت إليه أوامر بالإنسحاب!

 

وتتجاوز داعش كل الضرورات والمحددات اللوجستية للجيوش الإعتيادية. فهي لا تجد مشكلة أن توفر لنفسها الغذاء والماء والدواء والعلاج والملابس المناسبة للبرد والحر في الصحراء والبنزين لسياراتها والذخيرة لبنادقها، رغم أنها تعيش محاصرة بين دول تعلن عداءها لها وخوفها منها وتشكل الأحلاف ضدها. وتعتمد داعش للتسلح بشكل رئيسي على ما تغنمه من أسلحة أمريكية من العدو، ثم تستعملها سواء كانت دبابات أو مدافع أو غيرها، بكفاءة وكأنها قد تدربت عليها مسبقاً! رغم أن العراق كان مضطراً للإحتفاظ المحرج بالخبراء الأمريكان لتدريب الجيش العراقي عليها فترة طويلة!! 

 

في العراق، إحتار القادة كيف يوقفوا زحف داعش! وفكر العبادي باللجوء إلى تكتيكات غريمه نوري المالكي فذهب لـ "يشرف بنفسه" على تطهير حزام بغداد من داعش(5)، لكن صولته لم تأت بالنتيجة الإعلامية المرجوة التي كانت لصولات صاحبه. 

ورغم أن التحالف قال أن "القوات الخاصة العراقية التي لديكم من افضل القوات الخاصة في العالم".(6) لكن داعش أقوى بكثير كما يبدو من "أفضل القوات الخاصة في العالم" التي جهزها الناتو ودربها سنيناً، وهذا ما أصاب العراق بالجنون فتراه يسعى اليوم لإقرار قانون يمنع الجيش من دخول المحافظات وإنشاء عصابات بدله، لكل محافظة عصابة من بضعة آلاف متطوع يتم تدريبهم محلياً لبضعة أسابيع فقط! 

 

ولداعش منظومة تجارية عظيمة مثلها ومستترة مثلها أيضاً. وإلا كيف نفسر أن تتمكن داعش من بيع النفط، الذي تعجز إيران اليوم عن بيعه، وكل قطرة يجب أن توافق عليها أميركا، وقبلها حصل لصدام. 

كذلك لداعش منظومة مصرفية سرية مدهشة أيضاً! وإلا كيف يستطيعون أن يقبضوا ثمن النفط المسروق بالدولار، في الوقت الذي يعجز مواطن سوري أو إيراني أو كوبي مسكين أن يحول بضعة دولارات لأهله من اي بنك في العالم، كما نبه أحد الكتاب؟ لكن لحسن الحظ فقد قصف أصدقاءنا مصافينا النفطية، مما سيضطر داعش إلى تصدير النفط الخام فقط! وماتزال الولايات المتحدة “تحاول” حسب ما تقول "خنق المصادر التمويلية" لداعش! (7)

 

ولوزنها الإقتصادي، قد تستخدم داعش الحرب الإقتصادية لتحطيم فرائسها. فإنها بإجبارها فريستها على التركيز على الحرب، فإنها تهدد بدحرها إقتصادياً أيضاً كما فعلت أميركا مع الإتحاد السوفيتي في حملات سباق التسلح المعروفة. وقد نبه البعض فعلاً إلى احتمال إعلان إفلاس الخزانة العراقية عام 2017 وعجزها عن تسديد رواتب الموظفين(8). ويظهر ثقلها الإقتصادي وأثره على العالم، حين تسببت هي وسالفتها “القاعدة” (والتقرير عام 2012 ) أن تظهر 1271 منظمة حكومية و200 شركة خاصة تعمل على مكافحة الإرهاب الدولي في عشرة آلاف موقع في الولايات المتحدة ويعمل فيها 854000 شخص على الأقل... يعني أختفاء داعش (لا سامح الله) سوف يتسبب في زيادة نسبة البطالة في الولايات المتحدة!! كم دولة في العالم تستطيع أن تدعي أن لها هذا الثقل؟(9)

واقتصاد داعش ليس "ريعي" فقط ولا يعتمد على مصدر واحد، فهم يبيعون بضاعة أخرى هي الأطفال والنساء. لكن الغريب أنهم يبيعون الطفل الواحد بالمفرق بـ 10 دولارات(10).. يعني أن استخراج برميل نفط واحد افضل لهم من خطف درزن أطفال وبيعهم! وهذا من أسرار اقتصاد داعش الكبرى! 

 

رغم أن داعش لا تمتلك أية فضائيات أو وسائل إعلام خاصة بها، وليس لديها خبراء إعلام غربيين ولا جامعات لتخريجهم ولا مراكز إعلام تدرس العدو ونفسيته، ولا هوليوود لينشروا الصورة الإعلامية المناسبة، فإنها تفوقت على النازية في الساحة السيكولوجية. 

 

وتنشر داعش أفلامها على اليوتيوب ووسائل التواصل الإجتماعي رغم أنها مصنفة كإرهابية، هي وأفلامها، وهذا أيضاً ما لا تستطيع أية دولة أو منظمة أن تفعله بل لا تجرؤ أن تحاول ذلك.

 

وفي العراق نقرأ أن رئيس الحكومة العراقية يؤكد سلامة بغداد، بعد انتشار أخبار كاذبة بشكل واسع بأن داعش تتقدم على حدودها! فكيف أوصلت داعش تلك الأخبار إلى وسائل الإعلام العراقية وبهذه الكثافة؟ إنه سؤال جدير بالتفكير، خاصة وأن الإعلام العراقي قد تم تأسيسه من قبل أميركا التي تحارب داعش، ومازال يعمل بأمر أميركا إلى حد بعيد! لكن الأمر ليس بيد أمريكا على ما يبدو، فالرعب أنتشر في داخلها أيضاً حتى أن أحد أعضاء مجلس الشيوخ يؤكد أن داعش قادمة "لتقتلنا جميعاً"! نعم "جميعاً"!(11)

 

وينبه حافظ ال بشارة: تشن عصابات داعش حربا نفسية على الشعب العراقي قبل واثناء وبعد الهجمات المسلحة ، يخططون لتلك الحرب وينفذون ويستثمرون المعطيات المتحققة ... استخدام عامل الرعب بقطع رؤوس الخصوم والتلويح بها والتصرف بطريقة مخالفة تماما للفطرة الطبيعية ، مثل لعب الكرة برؤوس الضحايا ، وهو منظر مرعب لمعظم الناس يؤكد انهم امام عدو متوحش ، واستخدام فرضية الصراع الطائفي واختلاق صورة مبالغ بها لذلك الصراع المفترض ، مما لا واقع له على الارض(12)

 

وربما رأيتم الرقم 1700 كثيراً في الفترة الأخيرة في الإعلام، هل تعرفون مصدره؟ إنه داعش! هي التي قالت وحددت الرقم لضحايا سبايكر، فانتشر في العالم كله، رغم تصريحات رسمية بأن عدد الطلاب الكلي أقل من ذلك بكثير..لكن داعش أرادت أن ينتشر هذا الرقم، فكان! 

وفي كردستان نبه مركز ميترو إلى خطر نشر الإعلام الداعشي، وضرورة "دعم شعب كوردستان في مجال الحرب الاعلامية". 

 

 

من يدعم داعش؟ ربما تتصور أن السنة يفعلون ذلك، لكن ما قيمة دعم هؤلاء ؟ لقد وصلوا مرحلة لا يصدرون فيها صوتاً عندما تذبحهم حكوماتهم، فكيف تعتمد داعش عليهم في معاركها؟ الأحرى أن العلاقة بين داعش وأكثرية السنة هي علاقة مجازر ومذابح.. في العراق(13) وسوريا(14)، حتى أن نصر الله أكد أن داعش قتلت سنة أكثر من الشيعة(15) فمن أين تستمد داعش دعمها؟ حتى علماء الأزهر اعلنوا أن داعش " خارج عن صحيح الدين"(16) والشيخ أحمد الكبيسي قال "داعش وماعش صناعة يهودية"(17)

 

لدى داعش تنظيم خيطي رفيع جداً جداً جداً كما يبدو بحيث يصعب رؤيته بالعين المجردة! فرغم القاء القبض على الكثير من قياداتها وأفرادها، ورغم كشف الكثير من أسمائهم، وهويات من يقوم بالتدريب في الموصل(18)، ورغم حصول التحالف على تقارير مفصلة وموثقة بالأسماء وتسيجلات صوتية وافلام عن داعش، وعن طرق تمويلها تلقى بها داعش أمواله(19)، إلا أن التنظيم لم يسقط ولم ينهار...

 

وداعش دولة تتعامل مع الدول، قد تهاجم جاراتها أوتعقد اتفاقات الصلح معهم..(20) بل هي دولة عظمى وصلت في امتدادها إلى الحديقة الخلفية للولايات المتحدة (أميركا الجنوبية)، فهددت رئيسة الأرجنتين بالقتل لأنها تزور البابا! (21)(وبالصدفة الغريبة وحدها فأن هذه الرئيسة مكروهة جداً من أميركا.. التي تتهمها الرئيسة بالتآمر لقتلها)، بل يبدو أن أذرع داعش السرية وصلت إلى مفاصل السي آي أي ذاتها فمنعتها من إيصال معلوماتها إلى أوباما.. (22)

 

ولداعش براعة عظيمة في المناورة السياسية تمكنها من توظيف جميع الأحداث والعوامل في خدمتها، فوظفت حتى القصف الأمريكي، وجعلته يلقي لها التموينات "بالخطأ"، ثم استغلته للتقدم وإدخال 3000 عنصر إلى الأنبار.(23)

ولا يقتصر هذا التوظيف على التحركات العسكرية، بل يؤكد لنا الدكتور عبد الخالق حسين أنه حتى "الكرامة والسيادة" صارتا في خدمة "داعش"!!(24)

ويبدو أن لدى الدكتور نظرية تقول بأننا إذا تخلينا عن الكرامة فسوف نهزم داعش.. 

ربما وجد البعض هذا غريباً أو صعباً، لكنه مقترح مطروح لمن يبحث عن حل، وما تراه صعباً قد يراه غيرك سهلاً، ولكل امرئ من دهره ما تعودا..

ورغم أن داعش "إسلامية متطرفة" في إسلامها كما نعلم، لكن نتائج أعمالها تبدو بالعكس، فتحطم أعداء إسرائيل وحتى أنها تتسبب في دفع البعض إلى الهجرة إلى إسرائيل! (25) ويكتشف الباحثون أن اساليبها تتطابق "تطابقاً غريباً" مع التعاليم التوراتية.. (26)

ويستغرب من لا يفهم "عمق" استراتيجيات داعش بعيدة المدى، من “التطابق التعبوي العجيب” بين أهدافها وبين أهداف الموساد. ويتساءلون بحيرة لماذا لم تعلن هذه الجهة المتطرفة في إسلامها، الجهاد ضد إسرائيل، ولم تُطلق رصاصة واحدة ضد القواعد الأمريكية في قطر ولم تقف حتى الآن إلى جانب حماس أو كتائب عز الدين القسام في دفاعها عن غزة؟(27)

لقد كتب أحدهم بأن الطريقة الوحيدة لإقناع داعش بمهاجمة إسرائيل هو إقناعها بأن الإسرائيليين مسلمون! والحقيقة هي أن داعش تعتمد التخفي في هذه المرحلة...! 

 

لم تجرؤ أميركا على وضع من يدعم داعش في قائمة الإرهاب رغم المطالبات الشديدة، لأن داعش تقف وراء هذه الدول! (28)

لقد قال بوش يوماً "إننا لن نفرق بين الإرهاب وبين الأمم التي تأويه".. وعلى العكس من حالة القاعدة وأفغانستان، حين انقضت أميركا على القاعدة و افغانستان فوراً ، فإنها ترددت طويلا في الهجوم على داعش، ولم تعامل من يمدها بالدعم كإرهابي، بل وجهت إليه لوماً خفيفاً ثم أعتذرت منه!!! (29)

 

وعندما رأت داعش أن الولايات المتحدة تخشى وضع "الجزم على الأرض" تحدتها ان تفعل! وطبيعي أن لا يجرؤ الأمريكان مع تحالفهم على خوض تلك الحرب “وحدهم” ضد داعش “كلها” مرة واحدة، فيفضلون التقدم التدريجي وحساب المخاطر. (30)

وأصاب الحرج أميركا والرعب أصدقاءها، لكنها ماطلت طويلاً بحثاً عن "ستراتيجية شاملة"... (31)

وأخيراً وجدها أوباما، ففرح أصدقاءها وخاصة العراق(32)، و بدأت أميركا بمضاعفة حماية سفارتها في بغداد!(33)

 

هذا الحال جعل  جيران العراق يسخرون من الحلف. (34)، ودعيت الحكومة العراقية الى عدم الاعتماد عليه(35). وأقر رئيس الحكومة الكندية بهزيمة الحلف مسبقاً فقال:"لنكن واضحين ولنقل ان هذا التدخل لن يسمح بالقضاء على هذه المنظمة الارهابية".(36) فمن الواضح أن التكتيكات العسكرية المتطورة لداعش كانت فوق مستوى علوم الغرب! فهاهو أوباما يهيئنا نفسياً لما سيحدث من “إنتكاسات” للحملة الطويلة(37)، ويعترف الأدميرال، جون كيربي بعجزه عن مواجهة هذه القوة “الهائلة”، فيقر مذلولاً بأن "الغارات لن تنقذ كوباني"! وأن داعش سوف تستمر بالتوسع والسيطرة على المزيد من الأراضي في العراق وسوريا"..؟؟! وأن الستراتيجية الأمريكية لا تطمح أكثر من "الحد تدريجياً من قدرة داعش"!(38)

 

ويبدو أن هذه "الستراتيجية" التي "لن تنقذ كوباني" وتعد باستمرار داعش بالتوسع" هي أقصى طاقة للولايات المتحدة بمواجهة داعش، وهو ما اجبر أوباما أن يعقد المؤتمرات من أجل بحث "الستراتيجية الأميركية الشاملة" لصد داعش.(39)

صرخت قاضية أميركية بوجه أوباما: لماذا لا توقف داعش الذي يقتل الشعوب؟؟ وهي تتصور أن أوباما قادر على "حماية الشعوب" من داعش..بينما المسكين ينظر إلى "الشعوب" وهي تقتل أمامه ولا يدري ما يفعل سوى البكاء! إنه لا ينام الليل حزناً على الشعوب! (40)

 

لقد أدهشت عظمة داعش أعداءها قبل أصدقائها، فكتب عمار البازي بعنوان "داعش... تلك القوة الخارقة"(41) يقول: عن هذا ا لتحالف الـ "...عاجز حتى الان بكل اسلحته الخارقة وطائراته الالكترونية ..وبارجاته التي تطلق صواريخها من المحيط الاطلسي والبحر الميت وجزر الواقواق....كل هذه الجيوش الجرارة عجزت ومنذ اكثر من شهر..عن زحزحة ذلك الوحش الكاسر المسمى داعش ولو بكيلو متر واحد؟؟؟ أي ضحك على الذقون تمارس الولايات المتحدة؟؟؟؟...."هل يوجد بعد اليوم طفل او صبي او أي ساذج في هذا العالم المنافق..يصدق ان امريكا تقود تحالفا لاسقاط او انهاء داعش؟؟؟" 

لا عليكم من عمار البازي.. واضح أنه من أصحاب نظرية المؤامرةّ. لقد افقدت انتصارات داعش الأعداء توازنهم!

 

ويستغرب كاظم فنجان الحمامي كيف أن القوات الأمريكية "يخطئون الفيل ويصيبون البقة"(42) فكتب: من كان يتصور أن الصواريخ الموجهة بنظام التموضع المكاني تنحرف عن مساراتها وهي التي لا تحتمل الخطأ ولو لبضعة مليمترات ؟" وتحدث عن أنواع الصواريخ التي دمرت منشآتنا ومطاراتنا ومصانعنا عام 2003، ليتساءل بعد تعداد التكنولوجيات: كيف تخطئ تجمعات داعش وتصيب خنادق الجيش العراقي ؟ وكيف تتخبط في الجو فترسل طرود الماء والغذاء والإسعافات الطبية والأسلحة إلى معسكرات داعش(43). ليتساءل أخيراً: "يا جماعة قولوا لنا ما الذي يجري على أرضنا وفي سمائنا ؟. هل هي معنا أم علينا؟"

مسكين الحمامي، إنه لا يفهم القدرة التشويشية للمضادات الجوية الصغيرة الحجم وهائلة الفعالية (بالنانو تكنولوجي) التي تمتلكها داعش! 

 

الجيش الأمريكي ليس ذلك الـ "طرطور" الذي توحي به صورته الآن أمام داعش، ولنتذكر ما فعله في ليلة واحدة بموكب الجيش العراقي المنسحب من الكويت...فجعله "كعصف مأكول"... لكنه حين يتعامل مع سيارات البيك أب الخاصة بـ  “داعش” وهي تنسحب في ذات الصحراء وتحت نور الشمس، فإننا لا نرى صور مجازر، ولا بشرى بنهاية داعش، بل نرى كاريكاتيرات أوحت بها اعتذارات أميركا عن اخطاء في القصف وعن مواد غذائية وتموينية تضل طريقها لتلقى لداعش، وأن "الحرب" على داعش ستستمر ثلاثين سنة!!  

لنسأل انفسنا: ما هو السر في هذا الفرق؟ هل كانت أميركا أحرص على تحرير الكويت مما هي اليوم على التخلص من إرهاب داعش الذي تقول أنه صار يهددها ويهدد العالم؟ غير معقول...هل تجد أميركا في جنود عراقيين ينسحبون هاربين بجلدهم من المعركة، خطراً أكبر من إرهابيين يحذر ساستهم من أنهم "سيقتلون الأمريكان جميعاً"، لتقضي على الأولين وتتماهل مع الثانين؟ غير معقول...

لا يبقى لدينا لتفسير ذلك الفرق إلا قوة داعش الخارقة التي تتضاءل أمامها أميركا الجبارة، وتظهر بصورة "طرطور"، يثير الشفقة ويلهم رسامي الكاريكاتير! ... تأملوا الصورتين جيداً وتمعنوا، لتفهموا عظمة داعش وسر قوتها الرهيبة، لعلكم تقتنعون بالحل: لا بد لنا من تبني "الطريقة الداعشية"، وأننا سوف نهزم العالم كله بها!! 

 

قد تقول أنك لا تحب العنف بل الحضارة والتمدن والرقة، وأذكرك بقول المنظر الأمريكي الراحل “صاموئيل هانتنكتون” ، في كتابة الشهير، “صدام الحضارات” ، حين كتب: “لم يكسب الغرب العالم بتفوق أفكاره أو قيمه أو دينه، وإنما بتفوقه بتطبيق العنف المنظم!” (44)

 

يقطعون يد السارق؟ لو عرفت كم يد قطع ليوبولد الثاني ملك بلجيكا، لأدركت أن قمة الحضارة هي قطع الأيادي!.. الفرق الوحيد أن البلجيكيين لم يكونوا يقطعون أيدي السراق، وإنما أيدي عبيدهم الكونغوليين إذا فشل احدهم بجمع حصته من المطاط من الغابة خلال اسبوع!  

 

مزعج منظر قطع الرؤوس بالسيف؟ دعني أواجهك بسؤال صريح: ما الفرق الأساسي بين قطع الرأس بالسيف والقتل بأحدث الوسائل العلمية؟ الفرق بعض الدم والوسخ على يدك وملابسك...هل هذه هي المشكلة؟ أقصد من ناحية مبدئية.. ما الفرق من وجهة نظر الضحية وليس القاتل...؟ سؤال مقزز؟ لكن الأمريكان نفسهم يسألونه في صحفهم! (45)

 

داعش يقطعون الرؤوس... ويلعبون بها كرة القدم؟.. الجنود الفرنسيين يفخرون بصور يحملون فيها رؤوس الثوار الجزائريين، والجنود اليابانيين يحملون رؤوس الصينيين في منشوريا. أما "كرة قدم الرؤوس" فتعلمتها داعش من التاريخ الأمريكي... كانوا يلعبون الكرة برؤوس الهنود الحمر الذين يقتلوهم، وتجري المباريات في نيويورك برعاية حاكمها الهولندي! فهل يجب أن نكون أرق وأكثر تحضراً من البلجيكيين والهولنديين والفرنسيين واليابانيين والأمريكان؟

إنهم لا يفعلون ذلك الآن، ونحن أيضاً ما أن نسيطر على وضعنا، وليس بالضرورة على العالم، حتى نتوقف. إن “الطريقة الداعشية” مرحلة “ديالكتيكية” ، سينفيها النفي، ثم نلجأ إلى قتل حضاري رفيع بـ "الدرونز" و نصبح "متمدنين" جداً..ويحترمنا العالم..

 

ألم تقنعك كل هذه الأدلة الموثقة على عظمة الطريقة الداعشية؟ لا تصدق أي منها؟ تعتبرها أكاذيب؟ من أين اتت عظمة داعش إذن؟ لا تقل لي أنك تصدق "نظرية المؤامرة" وبأن أميركا وإسرائيل وراءها؟ غير معقول أنك تصدق هذا يا أخي؟؟؟ لا تنس أننا يجب أن نلقي اللوم على أنفسنا، كما يؤكد معظم مثقفينا! 

 

لكن إن كنت مصراً على الرفض فلا يبقى لدينا سوى الحل الثاني، وهو حل الدكتور عبد الخالق، أن نتخلى عن الكرامة.. وعندها سيحبنا الأمريكان (هم يعشقون كل من يتخلص من كرامته) ويطردون داعشهم عنا...ثم يعيدوا لنا كرامتنا...ولكن بعد ثلاثين سنة! 

السؤال هل نستطيع العيش ثلاثين سنة بلا كرامة؟ لنترك "المزايدات" ونتكلم بصراحة، أتصور ممكن.. هل الكرامة أكل أم شرب أم فيتامينات لكي لا يستغنى عنها؟ هي "بقية بداوة" كما يقول الدكتور عبد الخالق ، وكل المتحضرين تخلصوا منها ... وبعدين ما قيمة الثلاثين سنة بعمر الشعوب؟ غمض فتح طارت الثلاثين سنة.. أسأل الدكتور عبد الخالق، صار له تقريباً 12 سنة يعيش هكذا. صحته ممتازة و ما شاء الله مازال يكتب...ماذا تقول؟

 

توجع...؟ لا تقدر...؟ صعبة ثلاثين سنة بدون كرامة...؟ ما بك عزيزي القارئ.. أنا اتكلم معك..جاوبني ... أرفع صوتك لأسمعك!!

 

إذا كنت ترفض أن تكون "داعشي"، ولا تستطيع أن تتخلى عن الكرامة ثلاثين سنة، لا يبقى عندي غير حل واحد، له عدة أسماء، لكنه واحد.. يسمى: "طريقة عنه" عندما صدوا بالكلاشنكوفات الهجمة الأولى لداعش "العظمية" هذه .. ويسمى أيضاً "طريقة آمرلي" و"طريقة الحشد الشعبي" أو "طريقة كوباني" أو "عشائر الدجيل"..أو "طريقة سوريا".. إنها لا تحتاج إلى أبطال خارقين، وإنما بشر عاديين، بل أكثر "أعتيادية" من غيرهم.. رفضوا أن يتنازلوا عن الكرامة الإعتيادية التي يملكها الإنسان الإعتيادي السليم الذي لم تسلخه السياط اعتزازه الإعتيادي بنفسه كإنسان.. إنسان يخاف الموت وربما يرتعب منه وليس له أية تجربة بمجابهته، لكنه يختار المخاطرة به لأنه يخاف ايضاً عذاب الشعور بالمذلة حتى نهاية الحياة..إنسان يعلم أن الكرامة شعور لا غنى عنه لسعادة الإنسان، وأن نقصه يسبب ألاماً حادة في المعدة، لا تطاق ولانهاية لها.. 

 

دعونا ننسى كل هذا الهراء وليكن واضحاً أولاً أن: الأمريكان هم "داعش" ذاتها - وخبراؤهم جواسيس لها وسفارتهم مركز معلوماتها وطائراتهم تطير من أجلها وضغوطهم لحمايتها، ومنعهم تسليم السلاح الذي اشتراه العراق كان لتأمين انتصارها، وجنون ذيولهم من صفقة السلاح الروسي كان خوفاً عليها، ومقترحاتهم السياسية لأجل إحكام طوقها على البلاد.. لكل ذلك فأن داعش قوية، قوية جداً بقوة اميركا جيشاً وسفارة ولصوص كبار ومخترقين في السوات والجيش ايضاً، فداعش وما تفعله اليوم والتحضير له، كان محور السياسة الأمريكية لجعل العراق فريسة سهلة لها. 

 

الأمريكان هم "داعش" ذاتها! هذه الحقيقة توضح كل الأعاجيب الخرافية عن داعش وتحل كل الألغاز وتفسر كل الغرائب التي مررنا عليها أعلاه...! لقد سألت فوجدت أن كل طفل في العراق يعرف أن الأمريكان هم داعش ، حتى لو أزبد بعكس ذلك الساسة المأبونون أو الكتاب المأفونون، وأشادوا “بصداقة” الأمريكان، فأسهموا ومازالوا يسهمون بالتشويش على الرؤوس المرعوبة ليكتمل سوقها إلى المذبحة التي تريدها إسرائيل، والتي وصلت إلى الرقاب.. 

 

 

هذه هي الحقائق، والتصرف على أساس الحقائق هو الفرصة الأكبر للنجاة في الملمات. فهي التي يمكن أن ترشدنا إلى نقطة ضعف داعش وكعب أخيلها ..فنرى إن هذه "الخارقة" التي تتحدى أميركا، تعجز أمام بضعة رشاشات يجمعها، ليس البطولة الخارقة، بل الخوف من ألم فقدان الكرامة، فترفض التراجع بعناد، ويصر كل منها أن يستحق حمل لقب “رجل”، دون أن يحس بنغزة في الذاكرة كلما ذكرت تلك الكلمة... إن تجمّع هؤلاء واختاروا من يقودهم وفق ما تمليه الحقائق – أي أن يكون من أي دين أو مذهب أو قومية، شرط أن يكون أبعد ما يكون عن الأمريكان وذيول الأمريكان وأصدقاء الأمريكان ومن اختاره الأمريكان أو دربه الأمريكان أو روضوا عنه أو رضا عنهم أو أمتدحهم بعد كل هذه الطعنات في ظهر العراق، أو طاله في ذلك حتى ولو مجرد شك، فسيف هذه القوات الإسرائيلية الأمريكية وصل إلى رقبة بغداد ذاتها! فأختاروا وقفوا بصف من تثقون بهم تماماً، لتثقوا بصلابة موقفكم. أسعوا للحصول على اجهزة اتصالات مجفرة روسية أو صينية أو إيرانية أو أية دولة بعيدة عن تأثير أميركا وإسرائيل ، فكل ما يقال في الأجهزة الأمريكية يصل داعش فوراً. المكان مليء بالثعابين فتصيدوهم ولا تتركوا ذيول داعش ينقذوهم كما أنقذوا ضباط الموصل العملاء من المشنقة..من يريد الحياة وبكرامة، يجب ان لا يقل حزمه عن حزم من يريد الموت له ولأهله..

 

هذه حلولي الثلاثة إذن: أما أن تصدق أن قوة داعش الهائلة ممكنة، وأن أميركا تحاربها فعلاً وأنها لن تقدر عليها إلا بعد ثلاثين سنة، فتقرر أما أن تصبح داعشياً، أو تتنازل عن كرامتك ثلاثين عاماً تقبل فيها بحماية أميركا وسلطتها وخيارها الذي تحكمه إسرائيل لمستقبلك وأولادك، أو أن تقول أن في الأمر خدعة واضحة، وأن داعش ما هي إلا فرقة إسرائيلية أمريكية من مجندين مسلمين، وأن أميركا هي سبب وجودها وبقائها وستدافع عنها لأنها تحقق أهدافها، فترفض وهم "دعمها" ولا يبقى سوى خيار الذين قرروا المقاومة بأنفسهم. 

لقد سألني العديد من القراء، وبعد أن اقتنعوا بمهزلة الرواية الأمريكية لداعش: وما الحل؟ ها أنا أقدم الحلول الثلاثة المطروحة، وكل منها له مؤيدوه، والخيار لك...إن كنت متردداً فاقترح عليك إعادة قراءة المقالة ثانية رغم طولها، لعلك بوضوح أكثر ما تقوله التفاصيل، لتقرر أي الأشياء تصدّق وأيها تكذّب، وأين تريد أن تكون.