هل فشلنا في التعايش السلمي؟ الجزء الأول |
ليس ثمّة مجتمع مثالي في العالم، كل المجتمعات لديها تناقضاتها ومشاكلها الداخلية، حتى المجتمعات المتجانسة التي لا يوجد فيها تنوّع إثني أو عقائدي. علينا أولاً الاعتراف بأن الخلافات في المجتمعات المتنوعة إثنياً وعقائدياً أخطر بكثير من الخلافات الموجودة في المجتمعات المتجانسة او شبه المتجانسة، نظراً لأنها تتحوّل من خلافات رؤى وأفكار الى كراهيات متبادلة تنصب على العِرق او الدِّين او المذهب ويلعب فيها العامل التاريخي دوراً كبيراً في تأجيج صراع المظلوميات فيصبح من الصعب السيطرة عليه واحتوائه. لا يكون التعايش في المجتمعات المنقسمة عقائديا ًأو إثنياً ممكناً إلا بتبنّي سياسة مدنية محورها الانسان لا طائفته او دينه او عِرقه، فالحل يكمن في المدنية وتطبيق نظام حكم يفصل الدِّين عن السياسة، هذا في ما يخص النوع الاول من المجتمعات. بمعنى آخر إنها تقول الحل عندي انا فقط وليس عند غيري، وعادةً ما يكون هذا الحل حلا شمولياً متكاملاً لكل مشاكل الدولة او حتى الحياة بمعنى أوسع، هذا ما تعنيه الكلّيّانية في التفكير. يعتقد حزب النزعة الكلّيّانية بأنه هو وحده مَن يستطيع تحقيق غاية الأمة الكبيرة من دون الحاجة الى الاتفاق مع "الآخر" وهذا اساس هدم كل التوافقات في مجتمعاتنا الانسانية، سيما العربية منها، وانتعاش الدكتاتوريات فيها. ثمّة علاقة واضحة بين ما نعانيه نحن في مجتمعاتنا العربية من تشرذم وانقسام وعدم توافق وبين طبيعة البنية الثقافية والمعرفية التي تحكم العقل العربي، الجمعي والفردي، لابد لنا من الاعتراف أن المشكلة ليست في الدِّين فقط، ولو انها المشكلة الأكبر ربما، لكن هناك مشكلة اخرى تتعلق بأحزابنا وحركاتنا السياسية نفسها، فالنزعة الكلّيّانية التي شكّلت جوهر العمل السياسي العربي تُضيّق على فرص التوافق او التعايش بين المكونات، بل تقضي عليها في مهدها، ليست الكلّيّانية هدفاً او غايةً بحد ذاتها، لكنها وسيلة يتخذها الحزب السياسي لتحقيق غايته الكبرى، وهذه الغاية لا تتحقق عادةً إلا بإزالة "العقبات" أولاً. صنعت مثل هذه الكلّيّانية الدكتاتوريات الشيوعية والنازية والفاشية من قبل، وهي مَن تصنع لنا اليوم دكتاتورياتنا في عالمنا العربي.
|