- داعش - وأسعارُ البترول عالمياً


الشيء الذي أثار إستغراب الخبراء الإقتصاديين المتابعين لأسعار البترول في الأسواق العالمية أنه على الرغم من الظروف الصعبة السائدة في بعض البلدان المنتجة للنفط ، مثل ليبيا والعراق ، والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والدول الأوربية على روسيا ، وهي من كبريات الدول المنتجة والمصدرة للنفط ، فإن أسعار النفط ، عالمياً ، تنخفض بشكل سريع بدل أن ترتفع ، وعلى الأخص في فترة الشهور الخمسة الماضية . فالمعروف أن سعر برميل النفط الخام في شهرأيار 2014 كان يتراوح بين 108 دولار إلى 113 دولار أمريكي ، وكان سعر اللتر الواحد من البنزين عند المضخة في تورنتو يتراوح بين 1.38 إلى 1.40 دولار كندي ، بينما يباع برميل النفط الخام في هذه الأيام بسعر 82.50 دولار وسعر اللتر الواحد من البنزين عند المضخة 1.17 دولاراً كندياً . فيا ترى " هل هذه الحالة مرتبطة فقط بالعرض والطلب ، كما تفترضها القوانين الإقتصادية ، أم أن هناك شيءٌ يحدث خلف الكواليس ؟ " وإن كان كذلك فهل الأمر يتعلّق بظهور تنظيم داعش بحجمه المنظور الحالي ؟ 

ذكرنا في مقالة سابقة على أن ظاهرة " تنظيم داعش " إنما هي حربٌ عالمية ثالثة ، ومن هذا المنطلق تم تجنيد كافة وسائل الإعلام السائرة في فلك صقور الحرب في البلدان الرأسمالية لتنفخ في حجم داعش في إطار حرب نفسية ، مدروسة علمياً ، وتصوير داعش بالعملاق الذي لا يقاوم ، ومن ناحية أخرى وبتواطؤ مع بيادق عميلة من حكام بعض دول المنطقة تم تدريب إرهابيي داعش وتوفير كافة وسائل الدعم المادي والمعنوي لهم ، وأخيراً تسليحهم بالأسلحة الثقيلة بموجب عملية مسرحية إنسحاب الجيش العراقي في الموصل بعد ترك الآليات والأسلحة والعتاد لقمة سائغة لتستلمها دون عناء .

بعد إحتلال داعش للموصل ، تبيّن أن لديها كوادر تتمكن ليس فقط من إستخراج النفط من حقول نفط الموصل ، بل وبيع ما يستخرجونه ، مباشرة . فصهاريج النقل جاهزة والزبائن موجودون عبر الحدود ، ويدفعون الثمن نقداً ، حتى بات النفط العراقي يصل إلى أفغانستان بسعر خمسين دولاراً للبرميل ، كما صورتها وسائل الإعلام العالمية . لم يكتفِ الداعشيون بالموصل بل إمتدت قواتهم نحو الجنوب وإحتلوا مصفى بيجي ، وصاروا يهربون النفط ويبيعونه بأسعار بخسة . إن الحملة الإعلامية المركزة هذه هي جزء من الحرب النفسية التي أشار إليها السيد حيدر العبادي . 

في الحقيقة ، من وجهة النظر الإقتصادية البحتة ، فإن قيام داعش بإنتاج النفط العراقي وتهريبه وبيعه بأسعار بخسة لن يكون له ، بأي حال ، التأثير الكبير بحيث ينخفض سعر البرميل من النفط الخام بمقدار 25.50 دولاراً ( أي بنسبة تقرب من 24% ) ، إلا أن مخططي الحرب النفسية يقصدون من ذلك تنسيب السبب إلى داعش لتعزيز دعوى قوة وبأس هذا التنظيم ، بينما في الحقيقة والواقع فإن دولاً معروفة منتجة للنفط ، وداعمة للفكر التكفيري الإرهابي لهذا التنظيم هي التي زادت في وتيرة إنتاجها للنفظ بالكميات التي أدت إلى هذا الإنخفاض في سعره .

نكرر القول ، كما ورد في مقالنا السابق ، إنها حربٌ عالمية جديدة ( حربٌ عالمية ثالثة ) الغرض منها إعادة توزيع مناطق النفوذ في العالم بين الدول الحيتان ، ولذلك يتركز نشاط ممثلي تلك الدول على تجميع قوى أكثر دول العالم المادية والمعنوية لتحقيق هذا الغرض