من الورع إلى الجشع



لو تجولنا في البلدان الفقيرة وطفنا القارات كلها لوجدنا نسبة كبيرة من رجال الدين ينعمون بترف العيش الرغيد في المسكن والملبس والمركب والمأكل والمصرف. نسبة كبيرة منهم وليسوا كلهم، بينما تعيش شعوبهم في أسوأ الظروف المعيشية المتخلفة. 
لماذا معظم رجال الدين أثريـاء وشعوبهم فقيرة ؟. هل تغيرت قراءات بوصلة التدين لتنحرف بهم من الورع إلى الجشع ؟، وهل انزلقت أقدامهم من معابد التبتل إلى منتجعات الترهل ؟. 
لا يقتصر هذا الأمر على مذهب بعينه أو طائفة بعينها. فمعظم رجال الدين من المسيحيين واليهود والبوذيين والهندوس يتساوون في تنوع مظلات النصب والاستغلال الديني، وربما تصل أوضاعهم إلى ذروة الترف والبذخ في المجتمعات التي تكون فيها المؤسسات الدينية هي التي تمسك بزمام الحكم وتحمل صولجان السلطة. من دون أن تخضع حساباتها لمراجعة ديوان الرقابة المالية. 
تتوحد معظم المجتمعات الفقيرة ببعض القواسم المشتركة، وبخاصة في المجتمعات التي يلعب فيها رجال الدين دور الوسيط الروحي بين العابد والمعبود، وبين الرب وعامة الناس، الأمر الذي يفسر إقبال الفقراء على تقديم النذور والهبات والعطايا السخية، حتى تتحسن صورتهم في سجلات الآخرة. 
المثير للدهشة أن البلدان الواقعة تحت تأثير تلك المؤسسات تعيش دائما تحت وطأة الظروف السياسية القلقة، ولا تحظى بالاستقرار الأمني، وخير مثال على ذلك المعارك الطاحنة التي فجرها رجال الدين في كوسوفو والبوسنة والهرسك. بينما أصبح الدمار الذي هشم أفغانستان من الشواهد الحية للفوضى العارمة التي صنعتها طالبان بأفكارها التكفيرية المتطرفة. حتى وصل الأمر إلى احتكار زراعة الأفيون لحساب المؤسسات الدينية الأفغانية، التي أصبحت هي الممول العالمي الأول في تجارة المخدرات معلنة تفوقها على كولومبيا والبلدان اللاتينية الأخرى. 
قد تتشعب مصادر الإثراء غير المنظور عبر قنوات الجمعيات الخيرية وبيوت الزكاة ودور الأرامل والأيتام، فالأموال تتكدس هناك بمنأى عن عيون المراصد الرقابية، وبمنأى عن عيون الناس. وربما تتحول تلك القنوات إلى مراكز شرعية لتبييض الأموال المنهوبة والمسروقة بأساليب مقبولة عند العامة.
لم نتطرق هنا إلى أساليب الإثراء الشرعي عند بعض رجال الدين في العالم الإسلامي، وذلك حتى لا نتجاوز الخطوط الحمراء المحصنة بالأسلاك الشائكة على امتداد الوطن العربي من طنجة إلى الدوحة، ومن الخرطوم إلى الدوحة، ومن بيروت إلى الدوحة، لماذا الدوحة ؟. لأنها تمثل المركز العربي الرسمي لتدفق الأموال التحريضية والتخريبية إلى جيوب رجال الدين من فئة وعاظ السلاطين من نوع (الجهاديين المرتزقة).
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين