(بيس غروب) مجموعة السلام الهولندية ــ تأثير اليورانيوم المنضب الذي استخدمته أميركا في العراق أكثر بمئة مرة من تشيرنوبل

تتكشف يوماً بعد آخر الآثار الكارثية التي خلفتها الحروب على الإنسان العراقي وبيئته، ومن أكثرها تلك الناجمة عن استعمال القوات الأميركية والمتحالفة معها أسلحة اليورانيوم المنضب ضد الأهداف العسكرية والمدنية على نطاق واسع لاسيما في مناطق جنوبي العراق ووسطه، وهو ما قدرته مجموعة هولندية بنحو 400 طن أكدت ان تأثيراتها كانت أكثر بمئة مرة من تلك التي سببتها كارثة التسرب الاشعاعي من مفاعل "تشيرنوبل" زمن الاتحاد السوفيتي السابق، لافتة إلى أن ما يفاقم خطر الاسلحة المشعة هو ضعف قدرة العراق على معالجتها والتقاعس الدولي لاسيما الأميركي والبريطاني في هذا الشأن.  

ويكشف تقرير أعدته (بيس غروب) او مجموعة السلام الهولندية، اليوم الأربعاء، عن "آثار ما استخدم من أسلحة يورانيوم منضب في العراق في حربي 1991 و2003"،  أن "خطرها أكثر بمئة مرة من تأثير حادثة مفاعل تشيرنوبل، وأن العراق يحتاج لنحو 30 مليون دولار لتنظيف أكثر من 300 موقع ملوث".

وبحسب التقرير الذي الذي سينشر غداً الخميس، وحصلت (المدى برس)، على نسخة منه، فإن "مخمنين يدعون بأن ما استخدم من أسلحة يورانيوم منضب في العراق كان بمثابة ابادة جماعية  تفتقر الى الاسس العلمية"، مؤكدا ان "المخاوف الصحية للمدنيين العراقيين مخاوف حقيقية ويجب ان تراعى بجدية".

وتعد حادثة مفاعل مدينة تشيرنوبل في أوكرانيا التي حدثت في (الـ26 من نيسان 1986)، أسوأ كارثة تسرب إشعاعي وتلوث بيئي شهدتها البشرية حتى الآن، حيث قدرت الأمم المتحدة عدد من قتلوا بسببها بأربعة آلاف شخص، وقالت السلطات الأوكرانية حينها، إن عدد الضحايا يبلغ ثمانية آلاف شخص، لكن منظمات دولية شككت في هذه الأرقام وتوقعت وفاة ما بين عشرة آلاف وأكثر من تسعين ألف شخص نتيجة إصابتهم بسرطان الغدة الدرقية المميت.

وتوضح المجموعة الهولندية، في تقريرها، الذي مولته وزارة الخارجية النرويجية، أن "العراق يحتاج إلى 30 مليون دولار على أقل تقدير لتنظيف أكثر من 300 موقع ما يزال ملوثا بإشعاعات اليورانيوم"، مشيرة إلى أنه على الرغم من "إجراء بعض عمليات التنظيف فإن الكثير من المواقع ما تزال ملوثة فضلاً عن وجود مناطق ملوثة غير مكتشفة حتى الآن".

وتنقل المجموعة في تقريرها، عن مسؤول عراقي في مركز الحماية من الإشعاع، قوله إن "عملية إزالة آثار التلوث من  كل موقع تكلف ما بين 100 إلى 150 ألف دولار وهو ما جعل تكلفة تلك العملية بين 30 إلى 45 مليون دولار".

وتحذر المجموعة في التقرير، من "انتشار التلوث باليورانيوم المنضب من خلال قيام الفقراء الذين يتاجرون أو يتعاملون بقطع الخردة من حطام المعدات أو المواقع العسكرية المدمرة وبينهم أطفال".

ويشير تقرير مجموعة (بيس غروب) للسلام الهولندية، إلى أن "الحكومة العراقية لا تمتلك الموارد الخاصة للتعامل مع هذه القضية فضلاً عن عدم تمكنها من بسط سيطرتها للحد من عمليات المتاجرة بالخردة الملوثة التي يتعامل بها الأطفال أيضا وتعرضهم للخطر".

وتقدر كمية الذخيرة الحاوية على اليورانيوم المنضب التي أطلقتها المقاتلات والدبابات في حربي العراق لعام 1991 و2003 بحدود 400 طن، وتقول المنظمة في تقريرها أنها اطلقت غالبيتها من قبل القوات الأمريكية، في حين قالت حكومة المملكة المتحدة، إن القوات البريطانية "أطلقت أقل من ثلاثة طن من هذه الذخيرة".

وجاء في التقرير، أن "استخدام اليورانيوم المنضب في المناطق المأهولة ينذر بالخطر"، متوقعاً أن "يتم الكشف عن الكثير من المواقع الأخرى التي طالها التلوث الإشعاعي".

ويستند التقرير في بياناته على "ثلاث رحلات استكشافية نظمتها المجموعة إلى العراق ما بين 2011 و2012 ، وعلى معلومات مركز الحماية من الإشعاع التابع للحكومة العراقية حيث حدد ما بين 300 إلى 365 موقعاً ملوثاً بحلول العام 2006،غالبيتها تقع في محافظة البصرة، (يبعد مركزها، 590 كم جنوب العاصمة بغداد)".

وضمنت مجموعة السلام "، تقريرها "أدلة موثقة تؤكد أن الذخيرة والقنابل الحاوية على اليورانيوم المنضب أطلقت خلال الحرب على العجلات الصغيرة والبنايات والمؤسسات المدنية ومن بينها بناية وزارة التخطيط العراقية في العاصمة بغداد"، عادة أن ذلك "يعزز الشكوك بتطمينات المسؤولين الذين قالوا بأنهم استهدفوا العجلات المدرعة فقط بتلك الأسلحة".

وينتقد معد التقرير، ويم زوجننبيرغ، الولايات المتحدة، لـ"إخفاقها في تحديد المناطق التي أطلقت عليها ذخيرة اليورانيوم المنضب".

ويقول زوجننبيرغ، "لا نعرف بالضبط لحد الآن كم عدد المواقع التي قد تكون ملوثة أو حجم المخاطر التي يواجها المدنيون"، مبيناً أن "عدم تحديد هذه الأماكن يعزز التخوف من إمكانية انتشار التلوث باليورانيوم المنضب بين المدنيين العراقيين على نطاق واسع وأن الحد من مخاطر آثار هذه الأسلحة يحتاج إلى معونة دولية".

واليورانيوم المنضب هو مادة مشعة سامة، على شكل معدن صلب ثقيل ينتج من مخلفات صناعة الطاقة النووية ويستخدم في الأسلحة لصلابته العالية، التي يمكنها اختراق الدروع. لكنه يؤدي إلى تلويث البيئة بالإشعاع المسبب لكثير من الأمراض بين السكان المدنيين. وكان الأطباء العراقيون أكدوا زيادة حالات الإصابة بالسرطان والولادات المشوهة حيث تجري منظمة الصحة العالمية تحقيقاً بهذا الأمر مع وزارة الصحة العراقية.

وتعد هذه الأحدث في سلسلة مقترحة للأبحاث التي تربط بين عمليات القصف وارتفاع نسبة العيوب الولادية، وقد وجدت هذه الدراسة أن أكثر من نصف الأطفال في الفلوجة، (62 كم غرب العاصمة بغداد)، من الذين شملتهم عملية المسح بين سنوات 2007- 2010، كانوا مصابين بتشوه خلقي كما أن واحدة من ست حالات حمل قد أصيبت بالإجهاض في المدة السابقة نفسها.

وكانت صحيفة الأندبندنت البريطانية نشرت في (الـ14 من تشرين الأول 2012 المنصرم)، تقريراً يضم دراسة حديثة عن مدينة الفلوجة، شملت أيضا الأطفال في مدينة البصرة التي تعرضت لهجوم من قبل القوات البريطانية عام 2003 وأظهرت أن هناك أكثر من (20) طفلاً من كل ألف قد ولدوا بعيوب خلقية طبقا لقول مستشفى الأمومة في البصرة عام 2003، وهي نسبة أعلى بـ(17) مرة عما كانت عليه قبل عقد من الزمان، أما خلال السنوات السبع الماضية فان عدد الأطفال الذين يولدون مشوهين هي بنسبة 60% حيث يولد الآن سبعة أطفال من مجموع ألف بعيوب خلقية.

وأظهرت الفحوص التي أجرتها الدراسة أن نسبة مادة الرصاص في شعر الأطفال المشوهين في الفلوجة أعلى بخمسة أضعاف عن بقية الأطفال العاديين كما كانت نسبة الزئبق أعلى بست مرات عند الأطفال المشوهين في البصرة كما وجدت الدراسة أن نسبة الرصاص في أسنانهم أعلى بثلاث مرات عن الأطفال في المناطق غير الملوثة.

ويقدر العلماء والمختصون أن العمر النصفي لليورانيوم حوالي أربعة مليارات ونصف المليار عام وحتى يفقد قدرته على الإشعاع يحتاج إلى (10) أعمار نصفه أي حوالي (40) مليار سنة.

وهذا يعني أن المناطق المقصوفة بتلك الأسلحة في العراق (المنطقتين الوسطى والجنوبية خاصة)، ستبقى ملوثة مدة طويلة جداً، وأن آثارها وتأثيراتها الخطيرة على الإنسان والبيئة والحيوان ستتزايد باستمرار مع مرور الزمن ما لم تتخذ الإجراءات الخاصة بدفن وردم هذه المواد المشعة والأهداف التي أصابتها (وهو ما كان قد بوشر به قبل احتلال العراق من قبل الحكومة العراقية بالتعاون من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الطاقة الذرية وجهات دولية أخرى) من خلال لجان خاصة شكلت لهذا الغرض.