أمثلة لاتضرب ولاتقاس..

 

أظن أن مقولة: (الأمثال تضرب ولاتقاس) لاتصح في كل الأحوال ولاتنطبق على كل الأمثال، فكما أن هناك أمثالا تضرب وتقاس.. وأخرى تضرب ولاتقاس.. هناك ثالثة لاتضرب ولاتقاس البتة..! ومن الصنف الأخير مثلنا الدارج: (كثر الدگ يفك اللحيم)، فهو لاينطبق لامن قريب ولامن بعيد على تلك الألعوبة او الأضحوكة، التي مافتئت رئاستا المجلسين التشريعي والتنفيذي تمارسها على العراقيين الطيبين حد السذاجة، تلك هي ألعوبة الموازنة العامة لسنة 2014. فقد ذهبت هباءً كل الصيحات والمطالبات والتظاهرات التي نادت من خلالها شرائح الشعب كافة، بسرعة قراءتها وإقرارها لينعم بها المواطن، لاسيما وإن كل مشاريع الدولة ومستحقات القطاع المختلط والخاص باتت معلقة بتلابيب الموازنة العامة. وقد تداعت بسبب تأخير إقرارها كثير من مصالح الناس الى مالم يكن متوقعا. فها نحن على أعتاب الشهر الحادي عشر من السنة ومازالت الموازنة في مخاض عسير، لاتلوح أية بارقة أمل بقرب موعد ولادتها. فبالأمس صرح مسؤول على مستوى عالٍ في المجلس التنفيذي أن:

"اللجنة المكلفة تتولى اعادة ترتيب أولويات الموازنة الاتحادية لسنة 2014، على ضوء الملاحظات المطروحة لاعضاء مجلس الوزراء، بما يؤدي الى تقليص العجز الكبير الذي تعاني منه الموازنة، ورفع توصياتها الى الامانة العامة لمجلس الوزراء لغرض عرضها في الجلسة القادمة لمجلس الوزراء". وكذلك صرح "المسؤول الأول" في البنك المركزي أن: "الموازنة العامة للدولة سترسل إلى مجلس النواب خلال اليومين المقبلين لقراءتها والتصويت عليها".

فإن صح التصريح فبعد يومين سترسل الـ (طبخة) الى لدن مجلس النواب لتمر بطور القراءة..! وقطعا ستكون قراءة تفصيلية وتمحيصية وتحليلية وتصحيحية، وهنا يصح ويقاس ويضرب المثل القائل: (لگمة الشبعان على الجوعان بطيّة)، إذ ستأخذ القراءة الأولى ردحا من الزمن، يدفع ثمن التأخير والمماطلة فيها المواطن وحده، وإذا كُتب لها -الموازنة- الوصول الى دفة القراءة الثانية.. فهذا يعني (جيب ليل واخذ عتابه)، وبالتالي يدفع المواطن نفسه ثمن العتابة، وكذلك يتحمل آلام الليل وأطراف النهار أيضا. والحديث يطول إذا كانت هناك قراءة ثالثة ورابعة وعاشرة.

وهذا يذكرنا بالماضي القريب.. إذ بنظرة سريعة على اجتماعات مجلس النواب في "صولته" السابقة، نرى ان إرجاء المناقشات وتأجيل القراءات هو سنة متبعة لدى رئيس وأعضاء المجلس، وأهم ما يسوفون بمواعيد قراءته ويماطلون بإقراره هو قانون الموازنة، غير آبهين بالتظاهرات الشعبية الواسعة التي خرجت من اجل الضغط على البرلمان والكتل السياسية لاقرار الموازنة. كما يذكر المواطن جيدا كيف أهملت حملات جمع التواقيع أكثر من مرة، من اجل حث الكتل المتنافرة والمتناحرة على ادراج الموازنة في جدول اعمال جلسات مجلس النواب، ولكن..! كان كل هذا نفخا في رماد. والأدهى من هذا بدأت بعض الكتل بالابتعاد عن كل ما من شأنه الإسراع بقراءة الموازنة، كمقاطعة جلسات البرلمان، او المطالب التعجيزية بغية تأخير إقرارها، ولم تنفع فقرات النظام الداخلي لمجلس النواب، والتي تنص على محاسبة المتخلفين عن حضور الجلسات بعقوبات شتى، وكالمعتاد.. كان النفخ في الرماد أيضا.

الصورة اليوم في رئاسة مجلس النواب الحالي -علاوة على رئاسة مجلس الوزراء- هي ذات الصورة.. والرماد ذات الرماد.. ولن ينفع النفخ فيه، مادام النصاب لايكمله إلا ذات الأشخاص الذين كانوا سببا في عدم إكتماله بالأمس.