الامام الحسين قتله اعداءه ومحبيه
الشهادة  ليست حادثاً دامياً   كما هي عند بعض الأمم في تاريخها، مجرد تضحية يقدم عليها أحد الأبطال إذ يُقتل بيد عدوه في ساحة القتال  فيكون موته مبعث ألم ويكون اسمه "شهيداً" وموته "شهادة  
ذاك هو الحسين  فيه وبموقفه تمثلت الشهادة وتمثل الشهيد 
لقد ترك مدينته وخرج من بيته نافضاً يديه من الحياة مختاراً الموت حيث كان لا يملك في مواجهة عدوه سوى هذا السلاح العظيم، الموت. وبهذا السلاح واجه العدو وفضحه وهتك أقنعته، وهو إن لم يكن في مقدوره قهر العدو وهزيمته في ساحة القتال، ففي مقدوره، عبر الموت، أن يفضح هذا العدو. إنه كإنسان أعزل، وحيد، وفي نفس الوقت مدرك لمسؤوليته، لم يكن يملك إلا سلاحه الواحد 
  تضعه في موقع المسؤولية للنضال ضد كل أنواع الاضطهاد والإذلال 
   للناس الذين وقعوا أسرى ظلم واضطهاد أشد مما كانا في الجاهلية والذين يطمحون إلى الحرية والعدل، هؤلاء كلهم كانوا ينظرون ماذا سيصنعه البطل  أما هذا البطل الذي كان وحيداً أعزل بلا سلاح، فقد أظهر ببطولة نادرة حين جاء بكيانه ووجوده وحياته، وجاء بأهل بيته وأعز الناس على قلبه، ليشهد ويشهدهم أنّه أدى ما عليه في عصر كان الحق فيه مثله، بلا سلاح ولا دفاع: "اشهدوا فإني لا أقدر على أكثر مما فعلت  وعلى هذا فهو في اليوم العاشر من محرم يتلقى دم طفله الذبيح بيده فيصعده إلى السماء قائلاً: "انظر واشهد وتقبل هذا القربان"، وفي عصر كهذا فإن "موت رجل" يكون ضماناً لحياة أمة وأساساً لبقاء عقيدة، وتكون "شهادته" إثباتاً لجريمة كبرى وهتكاً لأقنعة الخداع والزيف ولأقنعة الظلم والقسوة الحاكمة وإدانة لسحق القيم ومحوها من الأذهان، بل إنه احتجاج أحمر على التحكم الأسود وصرخة غضب في صمت قطع الحناجر 
ولقد كان الحسين يعي أهمية هذه الرسالة التي وضعها مصير الإنسان على عاتقه، لذلك بادر بالخروج من مكة إلى مصرعه وهو يعلم أنّ التاريخ ينتظر وينظر إليه، وأن الزمن الذي يعود إلى الوراء على يد الرجعية يتطلع إليه ليتقدم، والناس المستسلمون للأسر بدون مقاومة في حاجة إلى نهوضه وإلى صرخته، وأخيراً فإن "رسالة الله" التي وقعت في أيدي الشياطين تريد منه أن يشهد "على
هذه الجريمة" بموته، وذلك معنى قوله شاء الله ان يراني قتيلا
الامام الحسين لم يقتله الملحدون او العلمانيون وانما قتله اناس مسلمون ومراجع دين كبار وفقهاء وائمة مساجد وقراء للقرأن لكن فهمهم للارادة الالهية كان خاطئا واستيعابهم لرسالة السماء كان مشوها وناقصا ..
لقد استشهد الإمام الحسين ثلاث مرات : الأولى على يد اليزيديين بفقدانه لجسده،
والثانية على يد أعدائه الذين شوّهوا سمعته وأساءوا لمقامه،
أما الثالثة فعندما استشهدت أهدافه على يد أهل المنبر الحسيني وكان هذا هو الاستشهاد الأعظم)) 

فالحسين ظُلم بما نسب له من أساطير... وروايات قاصرة عن أن تصبح تاريخاً يألفه أو يقبله العقلاء. ظُلم لأن تلك الروايات عتمت على أهداف ثورته ومقاصدها.. ظُلم  على يد الرواديد ومن اعتلوا منبره ونسبوا له   ولأهل بيته حوارات ومواقف وهمية ملؤها الانكسار لاستد
رار الدمع. فصوروه   وهو المحارب الجسور الذي افتدى مبادئه بروحه ودمه   وهو يلتمسُ الماء بكل ذلٍ ومهانة من أعدائه  وصوّروا زينب  الطود الشامخ  التي دخلت على الطاغية يزيد فزلزلته بخطبتها  على أنها امرأة جزعة بكآءّه تثبّط همة أخيها في الحرب  وتثنيه عن القتال  
ظلم  وأي ظُلم هذا  عندما حُوِّلت ثورته  لمناسبة لتعذيب وجلد النفس.. بدأها  التوابون من أهل الكوفة بعد استشهاده عندما جلدهم الندم لمّا سمعوا بقتل الأمام الذي كاتبوه وبا يعوه للخروج على يزيد ومن ثم خذلوه.. فخرجوا في مواكب يشقون فيها الرأس ويعذبون أنفسهم ندماً على ما فعلوه بالإمام وصحبه.. وتوارثت أجيال الشيعة هذه الطقوس التي لا تتناسب مع ثبات المؤمن وصبره بل وسعت لتبريرها بنسب الفعل للسيدة زينب التي قيل عنها - وحاشاها- أنها شقت الجيب وشجت رأسها حزناً على أخيها  حتى جاء المراجع الكبار فحرّموا هذا الطقس فعُلق حتى في إيران لما فيه من تشويه للمذهب؛ إلا أنه مازال يمارس كل عام مُلبساً ثورة الحسين ما ليس فيها، ومستدراً على منهاجه السوي النقد والتقريع وازدراء العالم 
ظُلم..عندما زُج بمظاهر الغلو في مجالسه.. وظُلم عندما اتخذت مجالسه وسيلة لترسيخ الفروقات بين الأمة المحمدية التي بذل روحه لجمع شتاتها والحفاظ على هويتها.. وهو ما عبّر عنه مكارم الشيرازي ذات حديث عندما قال: ما زُجّ بمظاهر الغلو في مجالس الحسين  إلا  ليقلصوا من مكانة وعظمة هذه الواقعة الخالدة .
ظُلم .. عندما دُرست في المدارس قصص أمرئ القيس والمعري والمتنبي ضمن المناهج الدراسية وما دُرست ملحمته  
ظُلم.. عندما صارت ذكرى استشهاده فرصة التبذير وهدر المال في الولائم المبالغ فيها  تحت اسمه  وهو ابن البيت الذي يتصل فيه الصوم لإيثار التبرع بالزاد على أكله 
ظُلم ومازال يظلم .. لأن رسالته التي كان خليقاً بها أن ترفع مستوى الفكر البشري  غُيبت لصغر العقل وتخثر اللب وتقفل القلوب .. 
لقد خُلدت الثورة  نعم ومن يتصفح مظاهر إحياء عاشوراء حول العالم  ويلمح العبرات التي تنهمر من أعين المسلمين  لا يكاد يصدق أن الواقعة المرثية قد انقضت منذ 1370 عاماً.. ذلك أن الله - في عُلاه- أراد لهذه الواقعة أن تُخلّد ليوم القيامة لما فيها من أرث  ومن دروسً تختصر كنه الصراع الدنيوي بين معسكري الخير والطغيان  وتشرح مفهوم النصر الخالد ولو  عبر الهزيمة الآنية.. تلك الدروس التي فهمها المهاتما غاندي فقال 'تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر'  وغابت عن فهمنا فما استثمرناها.. فبين فئةً ركّزت على تراجيديا الثورة على حساب رسائلها وأهدافها الكبرى  وبين فئة أخرى أهملتها وتجاهلت معان يها وتعامل معها على أنها لا تخصه.. تبدد الإرث.. وبقي الرثاء.. وظلم بذلك الحسين واستشهد على يد محبيه ومناوئيه آلاف المرات  ..
يقول السيد محمد حسين فضل الله   ..
إذا كنتم تريدون أن تجرّدوا سيوفكم  فلا تجرّدوها على رؤوسكم، ولكن جرّدوها في وجّه الأعداء، إذا أردتم أن تعبّروا عن احتجاجكم على الماضي فاعملوا على أن تحتجوّا على الواقع الذي هو مماثل لواقع الإمام الحسين
إنّ كربلاء حركة وعي وحضارة وتقدّم، فلا تحاولوا أن تجعلوا كربلاء في مواقع التخلّف، اطردوا من أساليب التعبير عن الحزن كلّ الأساليب التي تشوّه صورة كربلاء، إنّ للحزن تعابير حضارية وإنسانية، والحزن هو عمق كربلاء ولكن هذا الحزن لابدّ أن ينسجم مع طبيعتها الإنسانية والحضارية، لذلك لا يحسبنّ أحد منكم إنّنا إذا أخرجنا الضرب على الرؤوس أو ما شاكل ذلك مما استحدثه الناس مما يرتبط بالحزن، أو التعبير عنه، لا تتصوّروا انّ قضية الحسين ستموت، انّ التحديق في ثورة الحسين وفي مأساته هي التي تفجّر الحزن في قلوبنا وفي عيوننا، لذلك لننطلق إلى المستوى الكبير في مسألة الحزن