لنبتعد عن شتم داعش...

 

العراقيون بحاجة الى ترك شتم وهجاء داعش، والإنشغال بدلا عن ذلك بالسؤال عن أسباب ظهوره، وطريقة إستيلائه على المدن والمعسكرات والأسلحة والمساحات الواسعة من الأراضي، وكيفية تحول الداعشية إلى ظاهرة تهددهم وتهدد مستقبل أبنائهم، والسؤال الأهم في هذا المجال: ما هو دور ومسؤولية نوري المالكي في نمو داعش وإستيلائه على ما إستولى عليه؟
داعش الذي نعاني منه، منظمة إرهابية مؤدلجة تعمل خارج الاطر القانونية، وتملك مشروعا سياسيا يقوم على آيديولوجيا مناهضة للديمقراطية وحقوق الانسان، وجرائمه ليست من نوع الجرائم العادية أو المجانية، بل يريد أن يكون هو الدولة المختلفة التي تنسف التاريخ وتتخطى الجغرافيا.
ولو رجعنا الى الوراء قليلا لتبين لنا أن العراق تعرض في عهد حكومة المالكي، التي سخرت جل جهودها وطاقاتها ومصادر وثروات البلاد لأجل الحكم والحفاظ عليه، الى عملية تفسخ، وذلك التفسخ خلق فراغات سياسية وأمنية، وتلك الفراغات بطبيعتها أفشلت وأفسدت الخدمات والمشاريع وشلت الطاقات وأنتجت الازمات وجذبت التدخل الأجنبي والإرهاب التقليدي وداعش الذي أراد أن يكون بديلا للدولة. وهذا يعني: أن الحكومة المالكية التي عاشت في أزمة دائمة، والتي عاشت في حال الصدام مع غالبية المجتمع العراقي، ومع العصر الذي تنتمي إليه، قدمت نموذجا مثاليا للتفسخ والفشل والفساد، والمؤشر الأوضح على فشل الحكومة في سياساتها وبرامجها، هو فشلها الصارخ في التصدي للدواعش وهجماتهم الهمجية، واعترف الجميع بهذا الامر بطرق مباشرة وغير مباشرة، وبذلك تخلت (الحكومة) عن مسؤوليتها في حماية أمن المواطنين، وحتى حماية أمنها، وتغيرت الأمور ومعها حاضر ومستقبل العراقيين وأصبح الملايين منهم نازحين ولاجئين ومحتاجين لمعونات ومساعدات، بل متسولين في شوارع دول الجوار.
 أما الفدرالية والديمقراطية وحق تشكيل الاقاليم وحقوق الانسان التي تم تثبيتها في الدستور العراقي، فقد عاشت في أجواء تسودها الحقد والأستهتار والإبادة والسجون والمعتقلات وفقدان الثقة والخداع والعديد من الأساليب الملتوية التي لا يمكن العيش في ظلها، فتنامى الحذر الكوردي والسني والشيعي، وإزداد الشعور بالغدر من أصدقاء وحلفاء الأمس، وتعمقت الازمات وإتخذت أشكالا جديدةً، والغريب الجديد هو أن يحاول المالكي الاستمرار في الظهور وتقديم النصائح، والقيام بزيارات للمحافظات، والالتقاء مع النخب الأكاديمية ووجهاء وشيوخ العشائر والمسؤولين فيها وإصدار التوجيهات الى المؤسسات والى الكتل السياسية، والتدخل في الشؤون السياسية التي ليست من صلب عمله، بل والتصريح من هناك بجمل وعبارات تدل كلها على إنه يريد الخير للعراق والعراقيين، علما أن محاولاته المختلفة والحثيثة ومنذ إزاحته عن منصب رئيس الوزراء، أصبحت تشير بوضوح الى ان له أکثر من غاية و مأرب، وانه يتحرك على أکثر من صعيد، وما يمکن إستنتاجه من جهوده التي يبذلها هو: إثارة المشکلات للقضاء على محاولات خصومه للإيقاع به أولا، والعمل ضد الحكومة الجديدة على أمل إسقاطها ثانيا..
وأخيرا، بين المالكي والشعب العراقي بعربه وكورده سيسجل التاريخ صفحات مليئة بأحداث ووقائع ونكبات ونكسات وخسارات ودماء، وسيكتب أسماء سياسيين جمعتهم المحن عندما كان صدام متسلطا، وفرقم سوء النيات وتبادل الإتهامات ومغريات السلطة ونوازع التفرد عندما أصبح نوري المالكي رئيسا للحكومة ووزيرا لعدد من الوزارات، وعندما كان يلقي كل أربعاء خطاب أزمة فيه مضامين إتهامية حادة للسياسيين العراقيين جميعا... أليس من المطلوب البحث عن الطرق القانونية الكفيلة بمحاكمة المالكي، والإبتعاد قليلا عن شتم داعش؟