ثمة ما يشدني للكتابة عن الحسين وعن ثورته وعن أهدافها كلما أقتربنا من أيام عاشوراء ، إذ فيها ينتابني شعور بالفخر بان لمنظومة القيم في العدل والحرية والسلام أناس عظماء ينادون بها ويضحون من أجلها وهكذا كان الحسين ، وبما إن الحديث عن أهداف ثورة الحسين فالواجب يقتضي المزيد من الحرص والمزيد من التأني وعدم الإستعجال أو الخوض في هذا الأمر تبعا لرغبة ما ، الحسين ثار من أجل هدف نبيل يتلخص بمفهوم القيم التي نادت بها رسل السماء جميعا ، وقد أضطربت الأفكار في هذا الأمر غلوا وتطرفا لدى بعض المحبين وإبخاسا وقنوطا لدى المخالفين ، ومن أجل رفع اللبس الحاصل بين هؤلاء وأولئك فقد تتبعنا حركة الحسين وقاربنا بينها وبين مراد النص الإلهي فوجدنا : إن الحسين كباقي الناس له إرادة وله أختيار ، وإنه كان يلاحق هدفا إنسانيا وإجتماعيا وهو إقامة العدل ونشر السلام والحرية ، إنه هدف سياسي بإمتياز ولا يتحقق هذا الهدف إلا بالعمل وبالجهد الطبيعي ، يعني التحرك الموضوعي وليس التحرك الماورائي فالذي فعله الحسين هو الفعل الموضوعي وليس تبعا لفعل مخطط من السماء ،
إنه فعل إنساني بإمتياز أي إنه لا علاقة لفعله هذا بالسماء ، وهنا أقول : إنه لم يتحرك من أجل هدفه بناءا على طلب سماوي بل كان فعله مرتبطا بالواقع وحاجة الناس ، وهنا لا بد من الإشارة إلى إن الحسين ليس لديه أمرا سماويا أو علما بذلك ، فالحسين أولا : لا يعلم الغيب قطعا ولكنه تحرك وفقا لمعطيات واقعية حصل عليها من خلال التتبع والملاحظة والمراسلة وشاهدنا دائما مسلم بن عقيل في ذلك ، وحين ننفي علمه بالغيب إنما نؤكد على إرادته وإختياره لعملية التصحيح والإصلاح من وحي فهمه لما يجب ان يكون عليه المجتمع المسلم الصالح فمسألة الحكم هي مسألة دنيوية بإمتياز أي إنها تخضع للواقع ولإرادة الناس ، فهو إذن تحرك بفعل رغبة شعبية أملت عليه لتغير الواقع السياسي الفاسد ، وفساد هذا الواقع مرتبط حين تحولت العملية السياسية من شورى إلى ملكية وعشائرية عصبوية جاهلة ، وبفعل الحسين هذا يمكن القياس عليه والتأسي به لأنه فعل طبيعي ممكن ، وليس فعلا خارجا عن إطار الممكن الإنساني ، ولهذا لا يجوز مماشات من يقول بعلمه للغيب في حركته وفعله لأن هذا القول إفتراضي مضاد لما عليه صريح القرآن وصحيح السنة وقد ثبت بالدليل ركاكة وهشاشة هذا القول وكذا من قال بعلمه للغيب في هذا المجال وفي كل مجال ، الثورة دائما هي الثورة لها أهداف معينة وثورة الحسين كانت من أجل العدل والحرية والسلام ، إذن هي ثورة إنسانية تنطلق من حاجة إلإنسان إلى هذه القيم وهي حاجة يومية ومعاشية ، هي ثورة المظلوم ضد الظالم هي ثورة الفطرة البشرية لحياة مستقرة آمنة وبناءه في ظل نظام من الإستقرار والمساواة ،
ولا يجوز الرضوخ بحال إلى هذا التحميل الزائد والذي نسمعه بلسان الخطباء وأهل المنابر من الروزخونيين ، وكتابات بعض الواهمين التي أدخلت الحسين من حيث لا تدري - بالجبرية التاريخية والجبرية العقائدية - وهو الإتجاه المنهي عنه والذي ساد في ظل هيمنة العقلية الأموية على الحكم وأخرجته ، وحين ندخله بالجبر التاريخي والجبر العقيدي ينفسخ ظل التحميل للجريمة برقبة يزيد لكون الأخير في هذا الشأن يكون منفذا لأمر الله وإن ما حدث يوم عاشوراء كان أمرا مقدرا لايمكن الفرار منه بل إن تنفيذه من الواجبات ، ولو صح هذا الزعم لأخرجنا الحسين من دائرة فعل الخير والثورة على الظلم لأننا قد جردناه من إرادته وإختياره للفعل الصح وللعمل الصالح ، وهذا الخلط نجده سائدا في أوساط بعض عقول الشيعة وهو خلط يسري من غير تدقيق وتحقيق في الروايات والأخبار ، لأنهم لم يتفحصوا مراد الكتاب المجيد من سر بعثة r الأنبياء والمرسلين ، وهو خلط أظن إن له بعد تاريخي في فترة الإنحباس والإنقباض ولهذا لا يجوز تعميم هذا الخلط من على منابر المسلمين وبحجة تهييج الرأي العام عاطفيا ، لأن ذلك إساءة وعلى هذا النحو ستكون مقصودة وهنا تكمن الخطورة ،
لهذا أقتضى التنبيه لكي لا تجرنا ألسنة الخطباء لأرتكاب المحارم ظنا منا إننا نعمل صالحا ، كما لا يجوز أن نجعل من زمن النكبة وشياع مقولات أبن طاووس حجة على حركة الحسين وثورته لأن ذلك سيكون بمثابة الإضرار المتعمد ، فإبن طاووس قدم لنا نموذجا هزيلا عن الحسين وعن ثورته فغمسنا بين مقولات علم الغيب والعصمة وأنسانا هدف الحسين التحرري الإنساني وأفقد الحسين من معناه وجرنا لنؤمن بحتمية قتل الحسين حتى قبل ان يغادر مكة ، هذه الحتمية التي أسسها على أساس العلم بالغيب وتنفيذ أمر الله وهذه الجدلية المخرومة التي لا تستقيم مع طبيعة الثورة ورسالتها كما هي مقررة ومقرؤة بكتب أساطين المذهب والدين ، وهنا تبدو الحاجة ماسة لتطهير حركة الحسين من الدنس التاريخي الذي وظف الأخبار وعلقها في غير محلها وحرفها زيادة ونقصانا في طبيعة الحركة والثورة ، فبدى لنا ويكأن الحسين لا إرادة له ولا إختيار ولا موضوع ولا هدف لديه ، إنما هو مجرد أداة لتنفيذ أمر يقضي بقتله وسبي حرمته وعند التدقيق في مجمل ماورد في هذا الخرف التاريخي وجدنا إنه كان مقصودا ومرادا من قبل منظمات السلطة الحاكمة آنئذاك والتي روجت لتبرير الخطيئة تحت مظلة - القتل بسيف جده - هذه المقولة أوحت لبعض من كتب عن مقتل الحسين في إتجاه المغايرة تطويع علم الغيب والتحرك وفق ذلك العلم وبالتالي تفريغ معنى الإختيار وتذويب معنى الثورة ضد الظلم وهذا كان مرادا ومطلوبا ، ربما تدخل الخوف وربما تدخل الجهل وربما التعاطي بسرعة ومن غير تأمل أدى هذا إلى إعتبار الحسين من غير إرادة ومن غير وعي وهذه الإشكالية هي التي نبهت بعض المفكرين المعاصرين إلى مراجعتها والتحقيق فيها وإعادة كتابة تاريخ الثورة وفق متبنيات الكتاب والعقل ورد كل الأخبار التي لم تثبت ولم تصح كما ردت كل التلويحات في العقيدة عن علم الغيب والمصير المحتوم بكربلاء ، وهذا ما أعطانا حافزا في نفي كل مالم يصح عقلا ونقلا معتمدين على أن الحسين هو الثائر الذي عبر وجسد حركة الخير العام الدائم الموصول والذي يمكن ان يكون القدوة والأسوة ....
|