محرم هذا العام مختلف إذن، قلت هذا أمس وأنا أطالع في صفحات بعض الداعشيين في التويتر. توقفت مليّا عند عباراتهم التي تنضح بالكراهية فخفت، لا خشية منهم ولكن قرفا من روحهم الدموية وما يختزنون من ظلام. نعم، لقد كتب بعضهم أنهم سيذبحون الزوار واللاطمين في حين كتب آخرون أنهم سوف "يطبرّون المطبّرين" بطريقتهم قاصدين غزوهم بالمفخخات والأحزمة الناسفة. أقول الداعشيين ولست أعني سواهم، أي أولئك الذين يكفّرون الجميع ويقتلونهم، سنة وشيعة ومسيحيين وأيزيديين ومعهم الشبك والكرد والصابئة والتركمان. لقد اتضح ذلك خلال الأشهر الماضية بما لا يدع مجالا للشك وبحيث اجتمع العراقيون جميعا على قتالهم ونبدذهم. مع هذا، وقدر تعلق الأمر بأيام محرم التي ابتدأت، فإنّها خلال السنوات السابقة كانت امتلأت بالدم والقتل حدّ أن الزوار، وهم يسيرون لكربلاء، كانوا يضعون أرواحهم على أكفّهم ويتوقعون الموت في أية لحظة. كان الدواعش في بعض الأعوام ينتظرونهم في الطريق ويندسون بينهم، بل إنهم يتعاملون مع المناسبة كبيئة مثالية لنشاطهم الإجرامي نظرا لضخامة الحشود المليونية المنطلقة لكربلاء. أقول؛ في هذه السنة، كما في غيرها، علينا توقع استعادة المعركة ذاتها معهم، ولكن بتحسب أشدّ ألف مرة مما مضى، والسبب يتعلق بوضع العراق الخطير الناشئ منذ احتلال الموصل. فالمعركة بين القوات الأمنية والحشد الشعبي، من جهة، والداعشيون، من جهة أخرى، لا تزال تتواصل في جبهات عديدة وتتطلب حشد كل الإمكانيات من أجل إدامة زخمها لإيقاف الإرهاب ودحره. وعليه فمن المتوقع أن تستثمر المناسبة من قبلهم بهذه الطريقة أو تلك بما يضمن لهم تحقيق أهداف ما آنية أو بعيدة المدى أو حتى احداث تبدل دراماتيكي في مجريات المعركة. أي أنهم ربما سيجهدون من أجل فتح ثغرة ما واستغلالها لتصعيد الأجواء. لست محللا عسكريا لكنما يخطر هذا في ذهني الآن اعتمادا على خبرتي المتواضعة في طريقة تعاطي القوات الأمنية مع أمثال هذه المناسبات. فأنا ألاحظ منذ سنوات أن الدولة تستنفر كل إمكانياتها الأمنية طوال أيام محرم لاسيما فيما قبل العاشر منه وزيارة الأربعين التي تكلله. تراها تضع خططا أمنية وتنشر عشرات الآلاف من أبناء الجيش والداخلية لحماية الزوار، ناهيك عن استنفارها جهد العديد من المؤسسات المدنية لتلبية حاجات الزوار ونقلهم أو إعادتهم لمدنهم. هذا ما يجري سنويا كما تعرفون في وقت كان البلد مسيطرا عليه نوعا ما ولا وجود لحالة حرب كما هو عليه العراق اليوم. فكيف الأمر مع وضعنا الجديد المنفتح على كل الاحتمالات؟ ماذا عن الجبهات المفتوحة على المفاجآت؟ ماذا عن عديد قواتنا الأمنية التي سيخصص لحماية الزوار وطريق كربلاء؟ هل أخذ ذلك في الحسبان بطريقة لا يحدث اختلالا في موازين القوى مع داعش؟ أتحدث عن داعش، ليس بوصفه مجموعة من شذاذ الآفاق الذين قد يندسون بين الناس ويفجرون مواكبهم فقط، بل عنه وقد تحول، خلال الأشهر الماضية، لجسم محدد يسيطر على مدن عراقية وأقضية ونواح، ولديه خطط عسكرية وعمق جيوبولتيكي واضح الملامح. أتحدث عنه بوصفه عدوا خطيرا ولدينا معه نقاط تماس متغيرة ومتنقلة وتعكس تخطيطا ستراتيجيا بعيد الأمد وذا أهداف نعرفها جميعا. لست متشائما لكنني أدعو للحذر وأخذ الحيطة ومن ثم ترتيب أولويات أمننا الوطني بما يضمن لنا إدامة زخم المعركة وعدم الإخلال بالتوازن القائم الآن في جميع الجبهات، خصوصا حزام بغداد. غاية الإرهابيين هي العاصمة وعلينا التنبه لهذا قبل التفكير في وضع أي خطة أمنية لمناسبة حلول محرم، أمن الزوار مهم جدا وكذلك أمن العاصمة وبقية المدن. هذا ما أراه متمنيا السلامة للناس والوطن.
|