بائع العِلكة ...
في يوم الإثنَين 20/10/2014 ، أثناء عودَتي الى البيت ، في الساعة السادسة عصراً .. كانَ المطر ينهمر بغزارةٍ كبيرة ، حين توقفتُ عند الإشارة الضوئية الحمراء .. فإقتربَ طفلٌ في الثانية عشرة من عمرهِ من نافذة السيارة ، ماداً يدهُ التي تحمل " بضع علكات " . الطفلُ كانَ مُبتلاً بالكامِل ويرتجفُ قليلاً من البرد .. مددتُ يدي الى جيبي لأخرج ألف دينار .. لكن قبلَ أن أفتح النافذة .. إرتفعَ صوت مُنّبِه السيارة التي خلفي .. حيث ان الضوء الأخضر قد ظهرَ كما يبدو ، فإضطررتُ الى التحرُك للأمام .. ورأيتُ من خلال المرآة ، الطفل المُبتَل ، ويدهُ الممدودة ، والإحباطُ مرسومٌ على مُحياه . توقفتُ بعد أن إجتزتُ الإشارة الضوئية .. ونزلتُ من السيارة .. عبرتُ الشارع الى أن وصلتُ الى المكان الذي كان يقفُ فيهِ الطفل ، بجانب كُشك شرطي المرور .. كانَ يرتدي بلوزةُ مُهترأة وقطرات الماء تنزل مدرارة ، من أطراف البلوزة .. سألتَه : أين تسكُن يابُنَي ؟ قال مُشيراً بيدهِ : نحنُ نازحون ، نقيم في تلك المدرسة هناك . قلتُ : هل يعرف أهلك أنك هُنا في مثل هذه الساعة ؟ أجابَ : نعم .. أُمي وأخوتي الصغار ، هناك .. اُمي بحاجة الى أدوية وليسَ عندنا نقود .. فأنا منذ الصباح أبيع العلكة ، ولقد جمعتُ ( 1750 ) ديناراً [ لغير العراقيين : ان الدولار الأمريكي يُعادل 1210 دينار . وهذا الطفل يبيع العلكة ب 250 دينارا ، ولقد جمع طيلة اليوم ، وسط المطر والريح ، أقل من دولار ونصف ] ، لكنها لاتكفي . قلتُ لهُ : كفاك اليوم يابُني .. تعال لأوصلك الى المدرسة حيث تقيمون .. وخُذ هذا المبلغ الصغير لتشتري به الدواء . 
في الطريق ، قالَ : ان أبوه وأخوه الأكبر ، قُتِلا من قِبَل داعش في أطراف سنجار . أوصلتهُ الى المدرسة القريبة ، فترجَلَ فَرِحاً بإيصالهِ وبالخمسة آلاف دينار . قطرات المطر التي دخلتْ من خلال النافذة المفتوحة ، إختلطتْ مع دموعي .
.......................
حين وصلتُ الى البيت .. كان تأثير بائِع العلكة ، المُبّلَل المُرتَجِف برداً ، ما زالَ مُسيطراً عَلَي .. نسيتُ إغلاق باب المطبَخ ورائي .. فبوغِتُ بِصوتٍ غاضِب : أغلق الباب يارجُل .. لئلا يُصاب حفيدنا بالبَرد ! . نظرتُ الى حفيدي الصغير ، في ملابسهِ السميكة النظيفة ، وهو منشغلٌ بألعابهِ المُبعثَرة .. وقارنْتهُ مع الطفل بائع العلكة في المطر .. حفيدي المُدّلَل ، مُقابَل ذاك البائس الذي يسعى من أجل جمع ثمن دواءٍ لأمهِ المريضة . 
يا لقسوة الواقع وعبثيته القبيحة . يا لتفاهة حياتنا البرجوازية القَذِرة .