فضول الكلام

اكثر من 11 عاما مضى على سقوط النظام السابق والعراقيون يتكلمون ويتكلمون ..و..وبشكل مفرط جدا جدا فهم يتحدثون في السياسة ويناقشون في الدين ويحللون في الرياضة وينظرون في الاقتصاد والمجتمع ولا يكاد يخلو مجال دونما ان يكون لهم فيه رأي وقول ..وغالبا ما يكون متطرفا بشكل متطرف!! ويبدو ان الكبت الطويل الذي عانت منه اجيال متعاقبة من العراقيين والضغط الذي ولد الانفجار(ولو بفعل فاعل) اوجد حالة غريبة وهوسا عجيبا بالثرثرة الفارغة الغير موجهة التي امتهنها الكثير من الناس كردة فعل على كبت السنوات الماضية ومحاولة تعويض صمت اضطراري فرض عليهم بسادية قل نظيرها حتى في ذلك الزمان! ..هذه الثرثرة المتنوعة ثلاثية الابعاد اصبحت فيما بعد بحكم التقليد سمة عامة لدى الاجيال التي لم تدرك سنوات الكبت وتظن الثرثرة وحشر الانف فيما تعرف ولا تعرف امرا محمودا وجزءا من تكوين شخصية الفرد العراقي التي كانت توصف بالتحفظ والكتمان الى وقت قريب..وفي حقيقة الامر لا يمكننا حصر اسباب هذا التولع المفرط (بالثرثرة والجدل)وارجاعها الى ممارسات النظام السابق وكبته للحريات فقط بل اضيفت لها اسباب اخرى زادت الطين بله وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير وحولت الفرد العراقي الى كائن غاضب متذمر ناقد مولع بالجدل لاثبات وجهة نظره مهما كان الموضوع..ولعل اهم هذه الاسباب من وجهة نظري هو الاسراف في الممارسات الخاطئة من قبل الطبقة السياسية التي ظهرت بعد 2003 والتي اجبرت المواطن على كسر حاجز الصمت الذي كان متعودا عليه بالتزامن مع شيوع فكرة حرية التعبير وان لا احد فوق النقد وغيرها من افكار كانت جديدة على العراقيين الذين تلقفوها من القنوات الفضائية العربية بتعطش شديد لم يضمحل حتى يومنا هذا! مما يعني بالضرورة ان حالة التولع بالجدل بدأت بالتحول عمليا من ردة فعل طبيعية على سنوات الكبت الطويل الى ظاهرة اجتماعية لا يسلم منها المثقف والجاهل والكبير والصغير على حد سواء فالكل يدعي وصلا بليلى وانه اوتي الحكمة وفصل الخطاب ولا يتقبل بشكل او آخر اي رأي مخالف رغم انك حين تستمع لبعض الاراء تجد انها تحمل اطنانا من الغباء ولكن مشكلتنا كعراقيين ان لا احد يعترف باخطائه او فشله او جهله وهذه صفة عامة لدى الجميع لا استثني منها احدا..وقريبا من هذا الموضوع اذكر اني رافقت احد الاصدقاء لتصليح سيارته في حي المعلمين في بعقوبة ولاننا لا نعرف محلا محددا نذهب اليه سألنا احدهم عن محل ميكانيكي قريب..فقال الرجل يوجد امامكم اثنين احدهما(غبي) والآخر(يفتهم) وبعد مسافة بسيطة وصلنا الى محل ميكانيكي فقلت لصاحبي:هل انزل واسأله (انته الغبي لو اليفتهم؟؟) الفكرة الاجمالية من الموضوع ان على الانسان مراجعة نفسه بين الحين والآخر وينظر لها بعين الآخرين قبل ان ينصب نفسه حكما على رقاب الناس ..ويضع نفسه مكان الآخر ليفهم موقفه وان يحصر كلامه وعناده في مجال تخصصه واطلاعه ليوفر على نفسه الوقت والجهد الضائع في فضول الكلام فأصلاح النفس هو اول خطوات اصلاح المجتمع..وختاما نقول قبل اكثر من 1000 عام اختصرت هذه الكلمات الـ(472) كلمة بقول مختصر وحكيم نصه ( لو سكت من لا يعرف لقل الخلاف)!والذي يدلنا ايضا على ان لهذه المشكلة جذور بعيدة تضرب في عمق التاريخ!