داعش تنهزم

بالأمس حذرت من ترافق شعائر محرم مع حربنا ضد داعش واليوم أود التحذير من أمر آخر هو التكاسل والتواكل والاطمئنان لما يحدث في جبهات القتال. نعم، لقد لاحظت ذلك منذ يومين وهمست لنفسي: رجاءً لا تتعجلوا الفرح، فالانتصارات الكبرى قادمة لا محالة وما جرى في جرف الصخر وبيجي وعامرية الفلوجة ليس سوى تهيئة لها. عقلي يقول هذا لكن قلبي يأبى عليّ التعقل و"الانضباط" حسب تعبير أحد المحللين الأذكياء. أعني ذلك الصديق الذي كتب عن الحرب النفسية ورأى أن الانضباط في إبداء المشاعر هو أهمها على الإطلاق.  
لا أريد استباق الأمور لكنني، مع هذا، استطيع القول ان قواتنا الأمنية وحشدنا الشعبي يتقدمان حثيثا ولا يتوقفان عن توجيه الصفعات لداعش ومن والاها  لدرجة أن إعلامهم في التويتر والفيس بوك يبدو مصدوما ومهزوزا، بل غير مصدق لما يحدث من انكسارات في صفوفهم. وهذا بحد ذاته دليل جديد على أن سلاحهم الأبرز في المعركة كان، وما يزال، الإعلام، فعن طريقه فقط يوهمون أتباعهم وأعداءهم، على حد سواء، أنهم لا يهزمون ولا يمكن إيقافهم.   
نعم، لقد أوهمونا بذلك لدرجة أنهم أفقدونا ثقتنا بأنفسنا خلال الشهر الأول من المعركة في وقت أوهموا أتباعهم أنهم لا يهزمون مطلقا ولا يمكن مقاومة تمددهم. ما جرى بعد ذلك أننا صمدنا وصنعنا حائط صد عظيم يمتد من سامراء مارا بحزام بغداد الشمالي لينتهي بجنوب العاصمة. مع الأخذ بنظر الاعتبار وضع الأنبار الخاص كونها ميدان كر وفر ومن الصعب حسمها لشساعة المساحة وصعوبتها الطوبوغرافية. حائط الصد هذا صمد لأربعة أشهر بدماء شباننا من منتسبي الجيش ومتطوعي الحشد الشعبي، وخلال هذه الأشهر المليئة بالشائعات وعناصر الحرب النفسية شرعت أوهام الإعلام الداعشي تتبخر ببطء مقابل استعادة ثقة العراقيين بأنفسهم لاسيما بعد ملحمتي آمرلي والضلوعية وصمودهما الأسطوري.   
أسباب تقدمنا الذي أشاع مزاجا فرحا ومتحمسا إنما تعود لهذا، أي انها ليست نتاج أسبوع أو أسبوعين من القتال في جرف الصخر وصلاح الدين قدر ما هي حصيلة أربعة أشهر من الصمود في كل الجبهات وعلى رأسها حزام بغداد الذي راهن عليه الأعداء كثيرا وفعلوا المستحيل لاختراقه دون جدوى.
عدا ذلك، شخصيا استطيع تلخيص أسباب التقدم بالآتي؛ أولا: ان العراقيين استوعبوا الصدمة وطوروا أساليب قتالهم بما يناسب أسلوب العدو وهو الاعتماد على الضربات الماحقة والمباغتة من نخبة مدربة تدريبا عاليا بعد الاستعانة بالجهد الاستخباري الدقيق. ثانيا أن الدواعش حوصروا سياسيا وأمنيا من أطراف عديدة كان بعضها ربما محايدا إن لم نقل أنه مؤيد لهم، وهو ما أدى، من ثم، إلى فقدانهم كثيرا من الحواضن التي ساهمت في تقدمهم السابق. ثالثا، وكما نوهنا، أنهم اعتمدوا على الإعلام وإحداث الصدمة بما يلقي الرعب في نفوس خصومهم. وهذا السلاح، وأن كان حاسما في البداية، لكنه تخلخل بسبب تطاول الزمن ما أفقده مصداقيته فشرع يفقد تأثيره في الخصوم والتابعين.
رابعا: الالتفاف غير المسبوق بين الحشد الشعبي وقوات الجيش وسريان روح المقاومة في الشارع كالنار في الهشيم، ما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في معنويات جنودنا التي انهارت بعد احتلال الموصل. خامسا: رغم محدودية الطلعات الجوية للتحالف الدولي إلا أن أثرها المعنوي كان واضحا لدى المؤسسة العسكرية العراقية وصنّاع القرار. لقد شعروا أن العالم معهم وأن معركتهم عادلة.
مع هذا، فإن انتصاراتنا الأخيرة ليست سوى صفحة من صفحات المعركة، صفحة مشرقة لكنها ليست نهائية. أمامنا الكثير من المعارك القادمة وعلينا أن ننضبط أكثر وأكثر حتى نصل لآخرها فنحرر كل شبر من أرضنا الطيبة. قولوا آمين يا رب العالمين.