أُمّي .. عندما تضيقُ بها الدنيا .. و يحيقُ بها الهم .. وتنظُرُ إلى هذا العالَمَ ، على وسعه ، من خرمِ إبرة . أُمّي هذه ، التي يحزنها أن ترى ابنها البكر ، وهو يكبر أمامها ، ويكبرُ ، إلى أنْ يصبحَ في عُمرها تقريباً .. ومع ذلك فأنه ليس سوى ذلك " الأبله التاريخي " ، الذي انجبتهُ فبل ثلاثةِ وستّين عاماً . أُمّي هذه ، إذا لم تجد من تصبّ عليهِ لعناتها " الكرخيّة " الباسلة .. فأنّها تستدعيني ، ولا أحد سواي من بين جميع الأبناء .. وتبدأ لقاءها بي بعبارتها " الفلسفيّة " الفادحة : " شوف يَوَلْ " .. لتسردَ عليّ آخر تجليّاتها الصوفيّة ، في عزلتها المقدّسة . أمّي هذه قالتْ لي قبل قليل : شوف يَوَلْ .. أنّ الأبنَ " العار " .. يكونُ عاراً " خالِصاً " في الحالات الآتية : الأبن الذي لا يموت .. من بين جميع الأبناء . الأبن الذي يبقى في " الدار " .. ولا يهاجِر . الأبن الذي يبقى فقيراً إلى الأبد . والأبن الذي لا يأخذُ معهُ أُمّهُ أينما ذهب . وعندما قلتُ لها ، أنّ من الصعب على إبنٍ لا يريدُ أنْ يلحَقَ بهِ هذا النوعُ الفريدُ من " العار " ، أنْ يفي بهذه الشروط كلّها .. أجابتْ : لهذا هو " عار " .. وسيبقى كذلك . و بعد تفكيرِ " عميق " ، إتّضَحَ لي ، أنّني في شَرطَيْنِ من شروط أمّي ( على الأقل ) .. كنتُ عاراً " مَحْضاً " . كنتُ عاراً " خالِصاً " . يحيا ( إيمانويل كانت ) . تحيا أمّي .
|