كُتُبٌ للنازحين

ثلاثة فتيات وفتى ، أعمارهم تتراوح بين الثالثة عشر والتاسعة عشر ، جاءوا الى بيتنا ، للمّرة الأولى قبل أكثر من شهرَين ، وكانوا يتكلمونَ العربية .. حيث طلبوا بعض الأواني والملابس . كانَ الخجلُ والإحراج بادياً عليهم بوضوح .. فلم يكونوا من النوع المُتعّود على السؤال .. بل ان ظروف النزوح ، أجبرَتْهُم على دَق أبواب البيوت . أجلَستهُم في الحديقة وناديتُ شريكتي لتُرّحِب بهم وتجلب لهم الماء والشاي . 
معظم قطع كومة الملابس التي أحضرناها ، كانتْ أما أكبر أو أصغَر من مقاساتهم .. لكن إحدى الفتيات قالتْ ان عائلتهم تتكون من أكثر من عشرين فرداً ، وكل هذه الملابس سوف تفيدهم . أخذوا أيضاً بعض الأواني البسيطة وغادروا .
تكررتْ زياراتهم لنا بعد ذلك .. تأثرتُ عندما قالتْ أصغر الفتيات : .. عمو .. أنتَ والعّمة ، تُعاملوننا ببساطة ودون تكلُف ، لهذا فنحنُ نجئ ، حتى لو لم نكُن بِحاجة لشئ ، لانشعُر بالغُربةِ كثيراً عندكُم .. لكن أخشى أننا نزعجكم . فطمأنتُها وقلتُ لها مُمازِحاً : .. بسيطة ، عندما نصبحُ نحنُ نازحين ، فسوف نأتي عندكم في بعشيقة ونزعجكم بالمُقابِل ! .
شريكتي اُم العيال ، قالتْ لهم ، ان بإمكانهم الإستحمام عندنا ، لو إحتاجوا لذلك ، وبالفعل فلقد فعلوا بضع مراتٍ خلال الشهرَين الماضييَن . سألتَهم مرةً : كيف تقضون أوقاتكم في المدرسة التي تقيمون فيها ؟ وهل تريدون بعض الكُتب لتقرؤوها ؟ قالوا نعم .. فأعطيتهم مجموعة من الكتب المفيدة والممتعة المناسبة لأعمارِهم .. أعادوها بعد أيام ، وأعطيتهم وجبةً أخرى .. وهكذا . صاروا يأخذون في كُل مّرة مجموعة أكبر من الكتب المتنوعة ، وبهذا فلقد قامتْ مكتبتي المتواضعة ، بدورٍ بسيط ، في ترويج المعرفة لدى شريحةٍ من النازحين ! .
......................
سألَتْني إبنتي التي هي في عُمر أكبرهم : .. يا أبي ، لقد سألتُ أُمي ، هل هؤلاء البنات والفتى ، مسيحيين أم إيزيديين ؟ لكنها لم تكُنْ مُتأكِدة ، وقالتْ : إسألي والدكِ ! . قلتُ لها : .. صدقيني لا أعرُف .. فأنا لم أسألهم .. لأنه لايهمني ذلك على الإطلاق . ثم حتى بالنسبةِ لكِ .. ما الغرض من سؤالكِ ؟ سواء أكانوا إيزيديين أو مسيحيين أو شَبَك ؟ .. انهم يتكلمون العربية .. وحسب معلوماتي ، ان هنالك العديد من أهالي بعشيقة ، من الإيزيديين والمسيحيين ، يتكلمون العربية ، بتلك اللهجة الفريدة المحببة . بالنسبةِ لي ياعزيزتي ، ان تسأل أحداً عن دينهِ أو مذهبهِ أو حتى قوميتهِ .. فأن ذلك سؤالٌ سخيف ولا معنى لهُ ، خصوصاً في مثل هذه الظروف المأساوية ، التي أعقبتْ أحداث الموصل وسنجار وسهل نينوى . فهنالك شئٌ كبير ومهم ومُشترَك يجمعنا سوية : الإنسانية ! .. أما الصفات الأخرى الثانوية ، فلا قيمةَ لها .
قالتْ إبنتي : .. كانَ سؤالي بريئاً ، ولم أكن أدري أنك ستُلقي عليّ مُحاضرة ! .