قادة الرأي العام

يمر الرأي العام في العراق بمرحلة حرجة منذ تشكيل الحكومة الجديدة وحتى اليوم، الأمر الذي يجعل من مهمة رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي أكثر صعوبةً، وهذا أمر متوقع بعد أي تغيير حكومي ولا سيما في الديمقراطيات النامية كما في حالة العراق، التغيير الحكومي يترتب عليه تغيير منظومة العوامل المؤثرة في تشكيل الرأي العام، ويمثل قادة الرأي العام العامل الأهم في طريقة انتقال المعلومات الى الجمهور وبالتالي تكوين الرأي العام لأن هؤلاء ينقلون المعلومات وفقاً لرؤية محددة وتحليل معين، والرئيس العبادي يدرك خطورة الموقف لذلك توجه برسائل عديدة الى الصحفيين ووسائل الإعلام، لكننا نعتقد إن الخطاب ينبغي أن يكون موجهاً الى الفئة المستهدفة الصحيحة وهم (قادة الرأي العام) حتى تصل الرسالة الى الرأي العام بشكل سليم وأمين.
الرأي العام هو عبارة عن حكم جمعي أو توجه عام إزاء قضية أوعمل او حادثة او نشاط في المجال الداخلي او الأقليمي أو العالمي وهو تعبير عن اراء افراد الجماعة سواء كان هذا التعبير مؤيدا او معارضاً لحالة محددة او حكومة معينة.
ويأتي مفهوم «قادة الرأي» بصفته مفهوم أساسي في الإعلام، وقد تطور هذا المفهوم مع عصر الاتصال الجماهيري ووسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، وهناك تغيّرات كثيرة لا بدّ أن تطال هذا المفهوم، وهي نتيجة لتغيّر في نمط التواصل التكنولوجي المُتاح الآن، من حيث إتاحته فرصة الظهور لأيّ شخص فضلاً عن التفاعل الفوري مع الرأي المطروح.
ولتحديد هوية أبرز قادة الرأي العام في المجتمع العراقي بعد عام 2003 فإنهم غالباً ما يتميزون بواحدة من عدة خصائص وهي دينية، أو سياسية أو عشائرية أو إعلامية، وفي أحيان قليلة تجتمع أكثر من خاصية في بعض قادة الرأي العام، وإن أول وأهم خصائص قادة الرأي هي الصفة الدينية حيث أثبتت الوقائع أن الشخصيات الدينية تعدّ من أكثر الشخصيات تأثيراً على الرأي العام في المجتمعات العربية ولعلها في العراق الأكثر والأخطر تأثيراً في ظل ظروف الحرب مع الإرهاب، ويُعد تأثير الشخصيات الدينية في تشكيل الرأي العام تجاه القضايا المصيرية هو الأكبر والأوسع سواء ايجاباً أو سلباً، الخطاب الديني بوصفه خطاباً مؤثراً ومقنعاً في توجيه الرأي العام بإتجاهات محددة، وإذا كانت الوظيفة الإيجابية لكبار علماء الدين واضحة للعيان، فإن بعض رجال الدين قد لعبوا دوراً خطيراً في تأجيج الفتنة الطائفية وكانوا غطاءً دينياً للجماعات الأرهابية.
وعندما نلاحظ تأثير الصفة الدينية على الشخصيات التي تنشط في القنوات الفضائية وفي مواقع التواصل الإجتماعي نجد أن علماء الدين أو من يمثلهم من الدعاة يتصدرون الشخصيات الأكثر تأثيراً في تشكيل الرأي العام، الخاصيّة الثانية السياسية فهي تعتمد على فاعلية السياسي او الكتلة السياسية التي ينتمي اليها فضلاً عن حجم الجمهور الحزبي، أما الخاصية الثالثة وهي العشائرية وتتناسب مع تأثير قائد الرأي تناسباً طردياً فالشخص الذي يتمتع بثقل عشائري كبير، يكون تأثيره على المجتمع في صياغة الرأي العام واسعاً.
ولكن ليس كل ديني ولا سياسي ولا عشائري ولا حتى إعلامي يمتلك التأثير القوي في تشكيل الرأي العام، فإن تفوق شخص على آخر في التأثير على الرأي العام يعتمد على ثقة المجتمع به وقبوله لهذا الشخص دون الآخر (وهذا يفسر وجود أشخاص يتمتعون بخصائص دينية أو سياسية أو عشائرية أو إعلامية ولكنهم غير مؤثرين في الرأي العام لأنهم لا يتمتعون بالثقة والمقبولية) ويمكن للقارئ الكريم أن يستحضر في ذهنه بعض الشخصيات التي تندرج في هذا الإطار.
الخاصية الثالثة هي الإعلامية وتأثير هذه الخاصية واضح للعيان فكلما زاد تعاطي قائد الرأي مع وسائل الإعلام، كلما كان تأثيره على الرأي العام أكثر بسبب انغماسه في عملية انتقال المعلومات، ومرة أخرى يمكننا توضيح ذلك بشخصين يتمتعان بالصفة الدينية ولكن أحدهما يعبر لوسائل الإعلام عن أرائه بشكل مستمر والآخر لا يفعل، فإن الشخص الذي يتعرض لوسائل الإتصال سيكون تأثيره على الرأي العام أكبر من تأثير الشخص الذي لا يتعرض له.
مع إقرارنا بحتمية تأثير علماء الدين والدعاة والسياسيين وشيوخ العشائر لكنني هنا أريد أن أركز مقالي على الفئة الأخيرة وهم كتاب الرأي والمقالات والمحللون السياسيون والمثقفون الفاعلون والناشطون في المجتمع المدني ومواقع التواصل الإجتماعي لكونهم في القلب من عمليــة تشكيــــل الـــرأي العام، لأن هذه الفئة هي التي تقود المجتمع المدني في المجتمعات الديمقراطية العريقة، والتي نأمل تفعيل دورها في مجتمعنا العراقي.
وفي مقالة كتبتها الباحثةُ الفرنسية ماري بينيلد، في صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" في شباط 2011، أشارت إلى إمكان استخدام مفهوم غرامشي الشهير "المثقف العضوي" بحيث يُعدّ "ناشطو الانترنت" هم هؤلاء "قادة الرأي" فهم الذين حوّلوا معركة التغيير إلى المجال الإعلامي عبر كشف الأكاذيب والخدع التي تستخدمها القوى المهيمنة سياسيّا وثقافيا، بحسب كتاب "ظاهرة ويكيليكس" الصادر عن المركز العربي للأبحاث بترجمة نهى خلف.
وتهتم الدول الديمقراطية برعاية منتديات لقادة الرأي العام ونواد للصحافة للاستفادة من الأراء والتحليلات التي تقدمها هذه المحافل، وما أحوجنا في العراق الى تبني الحكومة أو البرلمان لمثل هذه المنتديات والنوادي التي يمكن أن تتناول قضايا وأحداث المرحلة الحرجة التي يعيشها العراق وهو يخوض حرباً شرسة بالنيابة عن العالم كله، نحن نحتاج الى عمل جماعي واسع لتشكيل رأي عام إيجابي قوي وفاعل.