في كل سنة أعقبت واقعة الطف كان الناس يحيون هذه المأساة الانسانية والفاجعة الدينية بالحزن والبكاء على سيد الشهداء، ثم أوصى الأئمة عليهم السلام ابتداء من الامام السجاد عليه السلام وحتى الامام المهدي عجل الله فرجه بضرورة إحياء هذه المناسبة وتجديد العزاء على ريحانة الرسول... وكانت الامور تجري على هذا المنوال قرونا متطاولة، حتى في أزمنة الطغاة الذين اتخذوا من محاربة الشعائر الحسينية شعاراً لهم فأمعنوا في تضييق الخناق على شيعة أهل البيت وتشديد الرقابة عليهم والاعتقالات والتعذيب والاضطهاد واصدار احكام الموت بالمفرد والجملة ضد من يمتنع عن الامتثال إلى قراراتهم التي أرادوا بها اطفاء نور الله تعالى مع أن الله يأبى إلا أن يتم نوره. مضت تلك الحقب من التاريخ بكل ما زخرت به من الظلم والتنكيل والمعاناة وانقرض أولئك الطغاة عن الوجود وأصبحوا أحاديث في بطون الكتب لا يكاد ترد اسماؤهم في موقف أو مجلس أو محفل إلا وتنصب فوق رؤوسهم اللعنات ويذكروا بأسوء الذكريات جزاءً وفاقا. وبعد انقراض خاتم طواغيت العصر المقبور صدام الذي لم يترك شناعة في محاربة الشعائر الحسينية إلا وقد فعلها... آلت الامور من بعده إلى مرحلة أخرى ظاهرها التشجيع على الشعائر وباطنها المتاجرة بها لنيل المنافع السياسية وكسب ود الجماهير الحسينية المبتهجة بما أنعم الله تعالى عليها من حرية ممارسة طقوس عاشوراء بعد التي واللتيا واللأواء. يحاول اليوم الطغاة الصغار المحسوبون على الشيعة أن يكرسوا هذه التظاهرة العالمية الكبرى والفاجعة التاريخية العظمى لتحقيق مآربهم الخسيسة وتطلعاتهم الخائبة، فراحوا يتاجرون بالحسين وشعائره بأساليب شيطانية حيث قاموا بتوظيف هذه المناسبة الأليمة من اجل تمرير أباطيلهم ودعاياتهم الانتخابية، فتسابقوا على الحضور في المجالس وتنافسوا فيما بينهم بتقديم المساعدات للمواكب الحسينية من الاموال التي سرقوها من خزينة الشعب والتي خضموها وما زالوا خضمة الإبل نبتة الربيع... يحضرون إلى تلك المجالس بسياراتهم الفارهة يحيط بهم العشرات من الجلاوزة الذين يسمونهم حماية ليأدوا دوراً مزيفاً بدعوى أنهم من انصار الثورة الحسينية وأنهم من خدام الحسين عليه السلام... يالَ سخرية الاقدار، ويال خزي الموقف، يأتون بهذه الهيئة الطاغوتية الى المواكب الحسينية فتشيع في الانحاء والاثناء حالة من الهوان وتتطاير من المكان الذي يحلون فيه الروحانية، ولا ترجع إليه حتى ينقشعوا. ألم يدّكر هؤلاء أن الحسين عليه السلام قد فجّر ثورته العظيمة في وجه جميع مظاهر الطغيان والاستعلاء بالسلطان؟ ألم يفهموا الدرس بعد بأن عاشوراء هي وقفة الإباء في وجه الجبابرة والاباطرة والطغاة والمتنعمين بحقوق الفقراء؟ ألم يدركوا أن المواساة الحقيقية لا تصح إلا بالتخلي عن الأبهة الأموية والفخفخة الكسروية على حساب المساكين والمعدمين وأولي الضرر الذين سرقوهم وركبوا اكتافهم ليصلوا إلى ما هم عليه اليوم؟
|