ما مدى التأثير السياسي .. لوقف الدعم التركي عن داعش..؟؟

الجدل الدائر حول الدور التركي في تأزيم الاوضاع باتجاه الاسواء مسالة تؤكدها الدلالات والثوابت في سياسة اردوغان القائمة على الحاق المزيد من الاذى بالمنطقة و بالقوى السياسية الكوردية الثائرة ضد سياسته الرعناء ، والتي ارادت من خلال استخدامها لتنظيم داعش والاعتماد عليها كأداة فعالة لتمرير مخططاتها الهادفة لتمزيق الصف الكوردي من جهة وخلق فجوة في علاقة الاقليم مع الحكومة الاتحادية من جهة أخرى بهدف ضمان وحماية مصالحها الاقتصادية في المنطقة ....

لذلك ما نعتقده جزما ان تركيا التي كانت حتى الامس القريب تعتبر الذراع الطويل والقوي للغرب عموما والولايات المتحدة الامريكية خصوصا قد بدات تفقد رويدا رويدا من مكانتها ، وتنكمش على ذاتها نتيجة لسوء قراءتها للمصلحة الامريكية ، بل وانقلابها على الدور المناط بها منذ عقود طويلة من قبل الولايات المتحدة الامريكية وتحديدا مع اتخاذ قرار في مؤتمر القاهرة الدولي الثاني عام 1943ببناء قاعدة عسكرية في (اضنة)بالاتفاق مع تركيا بعد الانتهاء من الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، والتي سميت بعد ذلك بقاعدة (انجرلك) ، بمعنى ان الدور الذي لعبته تركيا خلال العقود الماضية كانت تستند اولاً واخيرا على دعم الولايات المتحدة الامريكية لها للوقوف بوجه المد الروسي في حينها في المنطقة ، ومن ثم مناهضتها بقوة للتيارات اليسارية والشيوعية التي حاولت ان تجد لها موطىء قدم في تركيا ، وهذا ما دفعت بالولايات المتحدة الامريكية ان تشدد من أهمية قبولها كعضو في حلف الشمال الاطلسي المعروف ب((ناتو)) ، والتي ساهمت عضويتها ان تعزز من مكانتها كقوة اقليمية ضاربة في المنطقة حظيت باهتمام كبير من قبل كل دول العالم بما في ذلك دولة اسرائيل التي توجت علاقاتها بفتح سفارتها في تركيا مقابل اجراء مماثل لها مع اسرائيل ، وكانت ذلك بداية قوية للتبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين ، وعقبتها اتفاقات عسكرية من حيث تبادل الخبرات في مجالات الامن وتبادل المعلومات بشان المستجدات العاصفة في المنطقة ....

واليوم فان الموقف التركي من سير الاحداث في المنطقة قد وضعت الولايات المتحدة الامريكية امام خيارات صعبة وأهمها هي كيفية التعامل مع تركيا بعد ان تخطت الحدود الغير مسموح بها في سياستها وتورطها اللامحدود في دعمها لتنظيم داعش في حربها الشرسة ضد كوردستان ، والتي من شانها ان تكون من اهم اسباب فشل الأستراتيجية السياسية والاقتصادية الامريكية في المنطقة التي وضعتها لتامين وجودها في المنطقة ..بمعنى ان التهديد الذي يواجهه كوردستان جراء امتدادات داعش وانتشارها السريع قد فتح ابواب كل الاحتمالات الواردة امام الولايات المتحدة الامريكية من بناء قواعد عسكرية بديلة لقاعدتها لها في تركيا بعد ان وضعت الاخيرة عقبات وعراقيل امام طرق استخداماتها من قبل امريكا في حربها ضد داعش بهدف ضمان الاستقرار في كوردستان وقطع سبل زعزعة الاوضاع فيها .....

ومن هنا يبقى السؤال الملح ... ما مدى تاثيرات وقف الدعم التركي لهذا التنظيم بسبب شدة الضغوطات الامريكية عليها بضرورة قطع صلاتها مع داعش ..؟؟ المخاوف التركية من ان ينقلب داعش اذا ما اراد اردوعان اجراء اي تغيير في سياستها مع هذا التنظيم تبقى مسالة واردة التي تزيد من احتمالات وقوع تركيا في منزلق خطير تسوده الفوضى والاضطرابات من الصعوبة التنبؤ بأثارها الاقتصادية والسياسية عليها ، وهذا يعني ان تركيا بدخولها جنبا الى جنب مع داعش ضد المد الشيعي الرافض للتطرف والتكفير ، والتجربة الكوردية الناهضة قد اشعلت الى حد كبير نار الفتنة الطائفية والمذهبية في المنطقة ، وما سيترتب عليها من انعكاسات على مستقبل المنطقة سيتحمل وزرها الحكومة التركية الضالعة في دعم التطرف والارهاب حتى ضد شعوبها الداعية للحرية والكرامة الوطنية ...
وعلى هذا الاساس وما نعتقده ان المستقبل القريب للسياسة التركية في المنطقة مقبلة على منعطف جديد اذا لم تعيد من حساباتها الاقتصادية والسياسية ، وتكف من سلسلة ارتكابها للأخطاء المتكررة التي تعيق الخطة الاستراتيجية لأمريكا ، وان علاقتها الدبلوماسية مع اسرائيل سوف لن تعيق من الإجراءات الرادعة بحقها اذا ما أهملت عن قصد كل التلميحات والضغوطات السياسية بضرورة ابتعادها عن الحاق الاذى بكوردستان باعتبارها من المحطات الاستراتيجية الكبرى التي تعول عليها أمريكا في خططها الرامية لجعلها منطقة أمن وأمان لمصالحها مستقبلا ، بمعنى ان الاهتمام الدولي بكوردستان ومساندتها في صدها للنوايا السيئة لتنظيم داعش لا يخرج من اطار كونها واحدة من اهم المناطق التي تمكن امريكا والغرب عموما من احتواء المخاطر التي تهدد الشرق الاوسط برمتها ، ولهذا ليس مستبعدا ان يخضع في النهاية حكومة رجب طيب اوردغان الى الضغوطات الامريكية والغربية ودخولها على الخط الامريكي دون قيد او شرط وبشروط امريكية في حربها ضد داعش حفاظا على مصالحها التي اذا ما انقلبت دولة قوية مثل امريكا على التزاماتها عنها فانها حتما سيصطدم بواقع لم يجني من ورائه الا المزيد من التمزق والانحطاط السياسي ... ولحين ما نجد خطوة تركية تعيد بعضا من مكانتها في المنطقة ،،سيكون لنا لكل حادث حديث.