تحيي جماهيرنا الفلسطينية في الداخل ومعها كل القوى الديمقراطية والتقدمية المحبة للعدل والحرية والتقدم والسلام هذه الأيام ، الذكرى الـ 58 لمجزرة كفر قاسم الوحشية ، التي اقترفتها حكومة اسرائيل وعسكرها وبوليسها تحت جنح الظلام ، ومع بدء العدوان الثلاثي على مصر الثورة بقيادة الزعيم القومي الخالد جمال عبد الناصر في التاسع والعشرين من تشرين الاول عام 1956 ، وراح ضحيتها 49 شهيداً وشهيدة من المدنيين العزل ، أبناء هذه البلدة الفلسطينية الوادعة العزلاء، من الرجال والنساء واأاطفال والشيوخ والعمال والفلاحين والكادحين. ورغم مرور أكثر58 عاماً على هذه المجزرة الرهيبة ، التي هزت الضمائر الإنسانية واقشعرت لها الأبدان ، إلا أن ذكراها راسخة وآثارها باقية ، ولن تمحوها الأيام والسنين مهما طالت ، وستظل ذكرى الشهداء الأبرار حية في قلوب ووجدان أبناء القرية وسائر الجماهير الفلسطينية . ان هذه المجزرة لا تزال تبعث الحزن والألم والغضب في نفوس جميع الإنسانيين والديمقراطيين ، استنكاراً وتنديداً بسادية الجزارين ، فهي معلم صارخ على طريق حكام وقادة الدولة العبرية المرصوف بالعدوان والاحتلال والاستيطان والعربدة والقهر والاضطهاد والتمييز العنصري تجاه شعبنا العربي الفلسطيني . وفي الحقيقة أن مجزرة كفر قاسم لم تكن الأولى ، التي حلت بأبناء شعبنا الفلسطيني ، فقبلها نفذت المجازر في أسواق حيفا ويافا إبان الانتداب البريطاني ، وفي دير ياسين وخربة خزعة والدوايمة والصفصاف واللد والرملة ، وسواها من مجازر دموية اقترفت في خضم نكبة العام 1948. ذكرى مجزرة كفر قاسم ليس ذكرى الم وحسرة فحسب ، بل هي ذكرى غضب ساطع ، ودافع ومحرك للكفاح الشعبي والنضال السياسي في سبيل البقاء والحياة والتطور في هذا الوطن ، وطننا الغالي المقدس، الذي لا وطن لنا سواه ، وإفشال كل مشاريع الترانسفير ومخططات التهجير والترحيل والتشريد ، التي ما زالت تراود أحلام الكثير من ساسة وقادة وحكام إسرائيل . فالأهداف التي ارتكبت من اجلها المجزرة لا تزال قائمة ، ولكن كما قال الشاعر والقائد الفلسطيني والمناضل الشيوعي الراحل توفيق زياد: "فشروا" هذا وطننا وإحنا هون باقون كالصبار والزيتون " ولن نرضى بديلاً عن وطن الحب والوئام ، وطن المستقبل ، الذي ولدنا وترعرعنا وكبرنا وسنموت وندفن فيه. إن ممارسات حكام إسرائيل وعدوانيتهم إزاء شعبنا الفلسطيني، والاستيطان الجديد في القدس ، والحرب الأخيرة ضد قطاع غزة ، الذي أدى إلى استشهاد حوالي 2000 من الفلسطينيين وجرح الآلاف عدا الخسائر الجسيمة في الممتلكات وهدم البنية التحتية ، كل ذلك يعكس بوضوح مضمون الصرخة ، التي أطلقها الشاعر سالم جبران بعيد مجزرة كفر قاسم ، حين هتف شعراً : الدم لم يجف والصرخة لا تزال تمزق الضمير وفي فمها أكثر من سؤال والحية الرقطاء لا تزال عطشى إلى الدماء نعم هذا هو واقع الحال ، الحية الرقطاء لا تزال عطشى الى الدماء. إننا في الوقت الذي نحيي فيه ونستحضر ذكرى مجزرة كفر قاسم نحني هاماتنا إجلالاً وتقديراً لروح القائد والمفكر والمناضل الشيوعي الراحل توفيق طوبي ، الذي رحل وغاب عنا، وافتقدنا رسالته التاريخية ، التي كان يبعث بها لأهالي كفر قاسم في ذكرى المجزرة. فقد كان له الدور الهام والكبير مع رفيق دربه المرحوم ماير فلنر في كشف الحقائق وإماطة اللثام عن المجزرة وملاحقة مرتكبيها. أخيراً ، فأن شعبنا لن ينسى الشهداء الأبرار ، الذين سالت دماؤهم الذكية ، ولن تغفر للجزار، وهذا الدم الطاهر لم ولن يذهب هدراً ، فشعبنا مصمم على البقاء والانزراع عميقاً في ثرى الوطن ، وقد تعلم من تجربته الغنية المخضبة بالدماء ، أن لا طريق أمامه لمواجهة سياسة التمييز العنصري والاضطهاد القومي والطبقي، وسياسة الاقتلاع والتهجير ، وللحفاظ على حاضره ومستقبله وتطوره ، ليس امامه سوى طريق الوحدة الوطنية الكفاحية الصلبة ، البديل والطريق والسلاح الفعال والمجرب لإحراز المزيد من المكاسب الوطنية وانتزاع الحقوق المطلبية المشروعة من براثن وأنياب السلطة ، وتحقيق المساواة والسلام العادل والشامل ، المبني على الثقة والاحترام ، والقائم على الاعتراف بالحق الفلسطيني ، حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
|