العراقي، وترف حقوق الإنسان..

فَرقٌ ان تكونَ قريباً من الحَدث ، بحيث تكتوي بشرارات النار المُستعِرة .. أو ان تستمع الى الأخبار من بعيد . فنحنُ في أقليم كردستان العراق ، كانَ لنا ، قبلَ 9/6/2014 ما يُمكن أن نُسّميها " حدوداً " بَرِيةً بين الأقليم وبين الحكومة الإتحادية . صحيح كانتْ هنالك مشاكل في ما يخص المناطق المتنازع عليها وإشكاليات المادة 140 ، والتفسيرات المتباينة ، لبعض الفقرات الدستورية والخلافات النفطية .. إلا ان العراق الفيدرالي ، كان خيمةً يستظل بها كُل العراقيين ، رغم الصعوبات والعراقيل الجّمة . كان التواصلُ والتبادل التجاري ، قائماً ما بين الأقليم وبقية العراق وكذلك السياحة والتداخُل الاداري ، عبر الموصل وتكريت وديالى . إلا ان الأمور تغيرتْ بعد 9/6/2014 ، فلقد سيطرتْ داعش وحلفاءها ، ومن ثم ما تُسّمى بدولة الخلافة الإسلامية ، على جميع الطُرق التي تربط الأقليم مع بغداد . ولم تبقَ غير الرحلات الجوية بين مَطارَي أربيل والسليمانية وبغداد .. ومن البديهي ، ان حجم ونوعية العلاقات التجارية والإقتصادية وحتى الإجتماعية والسياسية ، قد تقلصَ بين الجانبَين بصورةٍ واضحة ، نتيجة ذلك .
أي بمعنى آخر ، ومن الناحية العملية ، فأن ما تُسمى بدولة الخلافة الإسلامية ، قد قّطعتْ أوصال العراق ، وأصبحتْ على الأرض كياناً ، يحدهُ جنوباً بغداد ، وشمالاً وشرقاً ، أقليم كردستان . بل ان " حدود " هذا الكيان اللقيط مع الأقليم ، تمتد لحوالي الألف كيلومتر ، من سنجار غرباً حتى جلولاء شرقا مروراً بالحويجة وسهل نينوى . 
من تداعيات هذا الإحتلال الفاشي الغاشم ، نزوح أكثر من مليون مواطن ، الى أقليم كردستان . ولللذي لم يَمُر بمثل تجربة النزوح المريرة ، من الصعب عليهِ ، تَصّور حجم المآسي والمُعاناة المترتبة ، على النزوح والتهجير القسري ، من جميع النواحي : النفسية والصحية والإجتماعية .. الخ . 
كما الهَدمُ أسهل وأسرع من البناء .. فكذا إحتلال داعش للموصل وتكريت والحويجة وسنجار وتلعفر ، لم يستغرق في كُلٍ منها ، سوى ساعاتٍ ، وبعيداً عن أسباب تلك الهزائم وخلفياتها وتشابُك الصراعات الأقليمية والمحلية ، والخيانة والتواطؤ والفساد ، فأن عملية تحرير المُدن المُحتلة وطرد العدو الفاشي الداعشي ، منها ، يستغرق وقتاً طويلاً ، وتضحيات بشرية ومادية جسيمة ، علاوةً على الوقت الإضافي المطلوب ، بعد ذلك ، من أجل إعادة البناء وخلق الثقة لدى المواطنين بالسُلطة ومدى قُدرتها على حماية أرواحهم وممتلكاتهم ، بحيث يعودوا الى دورهم التي هُجِروا منها . 
...................
تكاد لاتوجد مادةٌ واحدة من المواد الثلاثين ، التي يحتويها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، لم تُنتَهَك بِفظاظة مُفرِطة ، مِنْ قِبَل السُلطات والأحزاب الحاكمة ، في طول العراق وعرضه ، طيلة العقود الماضية .. والتي طالتْ الغالبية العُظمى من الناس . بحيث ان ( مفهوم ) حقوق الإنسان ، يختلفُ عند شريحةٍ واسعة من العراقيين ( النازحين والمُهجَرين الذين يبلغون عدة ملايين منذ 2004 ولغاية اليوم ) ، عن المفهوم الأصلي . فالبنسبة للنازحين ، فأن جُل أُمنياتهم تنحصر ، حالياً ، في فقرةٍ أساسية ، والمُتمثلة بالمادة 3 من الإعلان العالمي : [ لكل فرد الحَق في الحياة والحُرية وسلامة شخصه ] . الحَق في الحياة والسلامة ، من أبسط الحقوق وأكثرها بديهية .. لكنهُ ليسَ في مُتناوَلنا نحن العراقيين في الواقع . فكُلنا تحتَ التهديد الجّدي في كُل وقت .. فبعد إحتلال داعش لسنجار وبعشيقة وسد الموصل ومخمور وجلولاء ، بداية شهر آب من هذه السنة .. كانتْ تفصلنا ساعاتٍ فقط ، من إحتمال وصول الفاشية الداعشية الى عقر أربيل ودهوك .. لولا تدارُك الأمر بتدخل الطيران الأمريكي وإستعادة البيشمركة لرباطة جأشهم ولجوئهم للمقاومة والصمود . وحتى بغداد ، قبلَ أن تلتقط انفاسها في الأسابيع الأخيرة ، لم تكُن بمنأى عن تهديدات داعش وحلفاءها .
ان معظم العراقيين ، لازالوا كما أعتقد ، بعيدين عن ( تَرَف ) مواد حقوق الإنسان ، المُتعلقة بحُرية الرأي والمُعتقَد والحُريات العامة والشخصية وصَون الكرامة والرفاهية .. لأنهم ما زالوا في طَور الحصول ، على حَق الحياة والسلامة فقط ! .
......................
في مُجتمعٍ مُنقَسِم كالمُجتمع العراقي ، تتفشى فيهِ الأُمِية الأبجدية ، ناهيكَ عن الأُمِية السياسية والثقافية ... فأن نَيل أيٍ من الحقوق البسيطة والبديهية ، يُعتَبَر مِنّةً وهِبة من السُلطات والأحزاب الحاكمة ، الإستبداديةِ والفاسدة عموماً .