لم يكن يعرفه أحد, كان جُلَّ أمانيه, أن يكون مدير تربية كربلاء, إسمه غير مطروق بين الزعامات الكبيرة. جواد المالكي, ذاك الشخص القادم من الخلف, كعضو في شورى حزب الدعوة الإسلامية, ليتسنم قيادة العراق, وعلى مدار ثمان سنوات. خلال ثمان السنوات هذه, هيمن نوري (جواد) المالكي على السلطة في العراق, وبدا بإبراز أسمه, كزعيم أوحد للعراق, ولحزب الدعوة أيضا. رسم المالكي خلال سنوات حكمه, صورة متخبطة للعراق, فقد أعاد البعثيين, وإعتمد عليهم في قرارته, وقرب المتملقين والمتزلفين للسلطان, وأنشب العداوة بين القوى الشيعية وحليفها الإستراتيجي الكوردي, وزاد من تأزيم الموقف مع السنة. جر المالكي البلاد, لأزمات تلو الأزمات, فتمزقت الوحدة الوطنية, وإنهارت الثقة بين مكونات الشعب, ولم يُبْق المالكي أي صديق له, حتى وصلت الأمور الى إنهيار تام للمؤسسة العسكرية, وسقوط ثلث مناطق العراق بيد العصابات الإرهابية. المرجعية الدينية في النجف, كان لها نصيبها من التأزيم, فالمالكي بسبب سياساته الرعناء, أثار سخط المرجعية, الهادفة لإعلاء شأن الوطن والمواطن. المالكي القادم من حزب لا يحترم المرجعية, بل ويتقاطع معها, ومن يعرف مضامين قرار الحذف, لحزب الدعوة يعلم ما نقصده تماما, بتصرفاته أنهى كل حبل ود مع المرجعية, التي على أثرها؛ رفضت إستقبال أي مسؤول عراقي, وبالأخص أعضاء الدعوة, وفي مقدمتهم المالكي. حاول المالكي بعد كل هذه الأزمات, إختزال الحزب بشخصه, وصَدَّرَ لواجهة الحزب, أشخاص لا يمتون للدعوة وعراقتها بصلة, كأمثال حنان الفتلاوي وهيثم الجبوري والصيادي وياسين مجيد وغيرهم, ووصل الأمر بجعل الحزب والعراق ضيعة لعائلته وأصهاره. بعد الإنتخابات الأخيرة 2014, أصر المالكي على التشبث بالسلطة, ورغم رفض المرجعية, والكتل السياسية لهذا الأمر, إلا أنه أصر على ذلك. إصراره هذا, أدى إلى مزيد من التعقيد في المشهد السياسي, وزاد التأزم. هنا صار لابد من البحث عن مخرج, وسارعت قيادة الدعوة, بعد تأكدهم من نوايا المالكي, من الإنفراد بالحكم, فأخذوا على عاتقهم إيجاد بديل عنه, فكان الدكتور العبادي بديلا مناسبا, حسب ما يراه الدعاة, ليترشح رسميا لرئاسة الوزراء. بعد ترشح العبادي, تحركت أبواق المالكي, لتتهم العبادي وصَفْوَة قيادات الدعوة بالخيانة, وأخذت الأيادي الخفية للمالكي وحاشيته, بتحريك أنصارها للإضرار بالعبادي وحكومته. يبدو أن هذه التحركات, أعادت قادة الدعوة للتفكير بجدية تغيير المالكي, وإخراجه من واجهة الحزب, فقيادات الصف الأول, التي ترى نفسها هُمِشَتْ في ظل المالكي, أرادت أن تعيد للحزب صورته السابقة, من خلال الإطاحة بالمالكي وحاشيته, الطارئة على الدعوة. يبدو أن القادم من الأيام, سيشهد إخراج المالكي من قيادة الدعوة, وتسلميها لإحدى شخصيات النخبة في الحزب, وقد يكون العبادي هو القادم, وبذلك يكون المالكي, قد شرب من نفس الكأس, الذي سقاها لصديقه القديم إبراهيم الجعفري.
|