ظلت مشكلة الموازنة تراوح في مكانها منذ مدة طويلة، برغم ان جميع القوى السياسية تؤكد بصورة شبه يومية على ضرورة إقرارها، بعد ان أدى تأخيرها الى تضرر كثير من السكان؛ فضلاً عن عدم اكتمال انجاز مشاريع كثيرة تتعلق بالبنية التحتية بقيت من خطة عام 2014 ؛ بل حتى من السنين الماضية منذ عام 2003. وفي حين لا تلوح في الأفق أي بادرة حقيقية تعطي الامل للناس بإقرار الموازنة، فان تصريحات لسياسيين عدة تزيد الطين بلة، اذ يصرح بعضهم بالقول انه سيجرى دمج موازنتي عامي 2014 و 2015 في موازنة واحدة، ويتواصل الجدل عميقا بهذا الشأن. وإزاء ذلك لم تزل صورة الخلافات السياسية التي عطلت إقرار موازنة عام 2014 راسخة في اذهان الناس، كأسباب عالقة حقيقية، مانعة لإقرار تلك الموازنة وعموم "الموازنات"، اذا جاز القول، ما دام العمل جاريا بنظام المحاصصة الطائفية والقومية، الذي عمق ويعمق الخلافات السياسية التي عطلت ليس الموازنة فحسب؛ بل جميع مرافق الحياة في البلد، وهي التي ادامت ولم تزل محرقة الإرهاب والانهيار الأمني، ورسخت او تكاد منظومة الفساد المالي والاداري الذي أدى الى غياب العدالة الاجتماعية، وحرمان الناس من ثروات البلد الوفيرة. وفضلاً عن ذلك كله، التدني في أسعار النفط الذي نزل من مستوى يفوق الـ 100 دولار الى ادنى من 85 دولاراً. ان قضايا خطيرة تمس حياة الناس بصورة مباشرة ترتبط بقضية الموازنة وإقرارها، اذ ان فئات واسعة من العاملين في بعض المؤسسات الحكومية لم يتسلموا رواتبهم لمدد طويلة، وما يشكله ذلك من ضغط اقتصادي ونفسي على أوضاع اسرهم في ظل عدم حسم ملفات إنسانية كثيرة تتعلق بعاملين في مؤسسات عدة؛ منها ما يعرف بالتمويل الذاتي، وكذلك تعرض الشباب العاملين بالعقود وبالأجور اليومية الى الضغوط، ومخاطر الطرد من بعض الوزراء والمديرين العامين والمسؤولين في بعض المؤسسات بحجة عدم كفاية التخصيصات المالية و"تأخر الموازنة"! ان قضية الموازنة وإقرارها، تتطلب التعالي على الخلافات السياسية والشخصية، والتصرف بمنطق متحضر وحسم موضوعها فوراً؛ لأن القضية لا تحتمل التأجيل، اذ ان مصالح جميع العراقيين ترتبط باقرارها بصورة مباشرة، و لاسيما مع غياب أي سياسة اقتصادية فاعلة ترتقي بالقطاع الخاص وتفتح مغاليقه امام الاستثمارات، وتفعيل قوانين البنى التحتية والمباشرة بتنفيذها على الفور؛ اذ اننا بخلاف ذلك ومع غياب موازنة مالية وطنية فاعلة سنواصل حصد الخراب والفوضى والفقر والتجاوز والعشوائيات، وغياب جميع معالم الحياة الانسانية الاعتيادية التي تليق بإنسان فاعل مرفه؛ بالاستثمار الأمثل لوقت عمله الذي يحتفي بآخر منجزات العلم والتكنولوجيا، وبافادته من ساعات فراغه لشحذ روحه الإنسانية وإزالة مكامن البؤس والحزن والهم، والانفتاح على حياة جديدة لائقة.
|