بعد مخاضات عسيرة ، أكتملت ( الكابينات الرئاسية ) وتم أختيار وزراء الدفاع والداخلية واللجان البرلمانية ، وفق ماشاءت الكتل والأحزاب وقياداتها ، ولم يعد هناك مايستدعي المناورات والمفاوضات والاجتماعات المؤجلة ، للبدء بالعمل الجاد لتعويض مافات من وقت وجهد وثروات ، كانت ذهبت هدراً نتيجة الصراعات الجانبية التي اتسمت بها العشرة اعوام المنصرمة من تأريخ العراق ، ودفع فواتيرها الشعب قوائماً طويلة من أرواح أبنائه الأبرياء في جميع مدن العراق ، وصولا لاحتلال عصابات داعش للمدن العراقية وأرتكابها أفضع الجرائم البربرية بحق سكانها , المفترض أنهم آمنين في وطنهم ومحميين من حكومة أنتخبوها وفوضوها أدارة شؤونهم . لقد مرت الكثير من البلدان التي سقطت الدكتاتوريات فيها ، بمخاضات صعبة لترميم هياكل الدولة وأعادة تشكيلها وفق قوانين تحترم التضحيات التي قدمتها شعوبها وتسارع الزمن للتغلب على المعوقات التي تركتها الانظمة الدكتاتورية ، وتعمل بشفافية للمحافظة على الثروات وأختيار طواقم العمل والمساعدين وفق مبدء الكفاءة والاختصاص ، بعيداً عن المنافع الخاصة للأحزاب ونخبها ، وتحقيقاً للنفع العام الذي يستحقه الشعب بأسره ، وتنفيذاً لبرامج وخطط أقترحتها كوادر متخصصة وجرت مناقشتها من قبل الجميع ، وهي مسؤولية كبيرة تحملتها بأمانة القيادات الجديدة تحديداً ، لأنها البديل الشرعي الذي أفرزته الانتخابات في تلك البلدان ، وقد نجحت الانظمة الجديدة في تخطي تلك الصعوبات بفضل حكمة ونزاهة ووطنية قياداتها التي تصدرت المشهد السياسي الذي تستحقه , وبفضل تقديمها العمل الميداني على التصريحات الرنانة أمام وسائل الاعلام ، لذلك جاءت النتائج باهرة تستحقها شعوبها التي أولتها ثقتها ووقفت خلفها وساندت قراراتها وأثنت على جهودها ، فهل تحقق للعراقيين مثل ذلك ؟ . لقد أنشغلت قيادات الصف الأول لأحزاب السلطة في العراق منذ الاطاحة بالدكتاتورية الى الآن ، ببناء مشاريعها الشخصية والحزبية والفئوية على حساب المشروع الوطني العراقي الذي يهم عموم العراقيين ويضمن لهم الاستقرار واعادة البناء وترميم النفوس التي دمرتها سنوات القمع على مدى أربعة عقود ، ليس هذا فقط أنما الأدهى منه هو الصراعات فيمابين تلك القيادات والأحزاب ، وأساليب أدارتها التي انحدرت الى مواجهات مسلحة دفع العراقيون أثمانها الباهضة ، دون ان تؤثر على تلك القيادات وبطاناتها وأذرعها الساندة ، حتى تحولت الساحة العراقية من ساحة بناء الى ساحة دماء تلطخت فيها أيادِ قيادية رفيعة ، كان يفترض ان وظيفتها الدستورية حماية الشعب من العصابات الدموية وليست رعاية العصابات التي تقتل أبنائه . أن المشهد العراقي المرتبك الآن يتطلب جهداً نوعياً ومختلفاً عن كل الاداء السابق لقيادات الاحزاب والاطراف التي تقود البلاد ، لأن الضعف والأرباك كان ومازال متعلقاً باساليب عملها وأدائها البعيد عن روح المسؤولية الوطنية ، وكانت كل النتائج المخيبة لآمال العراقيين والمدمرة لحياتهم والمستهينة بأرواحهم والمبدده لثرواتهم جاءت بفعل ذلك , ولم يكن للشعب فيها من ذنب الا أنتخابهم في أكثر من مرة ، رغم قناعاته المتراكمة في أنهم ليسوا جديرين بمناصبهم ولامؤهلين بمايكفي لأشغالها ، فقد صمموا آليات الانتخابات وتوقيتاتها وأساليبها وقوانينها بمايضمن لهم تكرار النسب والارقام التي تبقيهم جميعا في المنطقة الخضراء ، لكن تعاظم الأخطار وتراكمها في الوقت الحاضر ، وبالأخص المواجهة الشرسة ضد داعش ، ستكون هي الفيصل بين الشعب وتلك القيادات التي أستنفذت جميع الفرص دون أن ترتقي لمستوى تأدية واجباتها الوطنية والدستورية , ولن تجديها نفعاً خطبها وتصريحاتها ووعودها وأصطفافاتها السياسية والمذهبية ، ان هي فشلت في تلك المواجهة ، لان نتائج الفشل هذه المرة ستطيح بالجميع .
|