سبايكر .. على النار

أصحاب مطاعم الكباب في بغداد ، والفلوجة سابقا بوصفها واحدة من اشهر المدن العراقية المعروفة بإعداد الكباب ، اعتادوا ترديد لازمتهم مخاطبين الزبائن للتحلي بالصبر الجميل "الكباب على النار " للتخفيف من حالة الشعور بضجر الانتظار ،والاستمتاع برائحة الشواء المنبعثة مع دخان "المنقلة" لحين وضع النفر او نصفه على الطاولة ليتناوله الزبون مع الف عافية .
المعاناة من طول الانتظار ، يعبر عنها العراقيون بقولهم " جعلني انتظر على نار " في إشارة واضحة الى الضجر ، والملل، والقلق ، والشعور بثقل الوقت ، وامتداد الدقائق الى ساعات ، ربما تخفي مفاجآت ، غير متوقعة ، في زمن لم يكن يعرف تقنيات الاتصالات الحديثة ، باستثناء الهواتف الأرضية ، و"اعتماد الطروش" في نقل المعلومات والأخبار ، وعادة ما تكون سيئة لان البلاد لم تشهد في عمرها حالة استقرار طويلة.
قاعدة "الكباب على النار" بقدر ما تدعو الى الانتظار دقائق ثم الاستمتاع بوجبة الطعام تحمل على مستويات اخرى خارج استخدام "الكببجية " إشارة الى كارثة ، حين يعتمد بعضهم اللازمة الشهيرة في تسويف الحقائق ، ويطالب المتضررين من كارثة ما بالمزيد من الصبر والانتظار ، والبقاء على سطح من الصفيح الساخن لحين اتخاذ القرارات الرسمية لفتح "باب الفرج" بإعلان نتائج التحقيق في الكثير من القضايا ، ومنها مجزة سبايكر الشهيرة .
أهالي ضحايا سبايكر طرقوا أبواب الحكومة ، ومجلس النواب ، ومكاتب الساسة الكبار ، تظاهروا في مدنهم ، وأمام المنطقة الخضراء ، وبإصرارهم استطاعوا الدخول الى قبة البرلمان ، وحصلت المواجهة المباشرة ، الأمهات والآباء والزوجات تلقوا الوعود ، مع إعلان تشكيل لجنة لمعرفة ملابسات الحادث ، وفيما ذرف بعض النواب دموعهم ، أصدرت الحكومة قرارات بتعويض ذوي الضحايا بمبالغ مالية ، وقطع أراض سكنية ، ونتائج التحقيق لم تظهر وكأن أصحاب الشأن، اخذوا على عاتقهم تمثيل دور" الكببجي " وترديد لازمته الشهيرة "الكباب على النار" الى متى لا احد يعرف ، وليس في الأفق ما يشير الى اعلان النتائج في وقت قريب.
في الأسبوع الماضي وكعادتها في نشر التقارير والقصص المتعلقة بمجزرة سبايكر ذكرت صحيفة أميركية ان احد الناجين من الكارثة المقيم في محافظة الديوانية تلقى رسائل تهديد في حال الإدلاء بشهادته أمام لجان التحقيق ، وبصرف النظر عن صحة ماورد في تقرير الصحيفة ، فان تهديد الناجين امر محتمل ، خصوصا حين يستعرض العراقيون اعداد اللجان المشكلة في سنوات سابقة وقد تجاوزت المئات لكشف ملابسات حوادث اغتيال ونهب المال العام وملفات فساد وغيرها من العلامات الفارقة في المشهد العراقي .
اهالي ضحايا قاعدة سبايكر طالبوا بمعرفة مصير ابنائهم ، احياء او موتى ومحاسبة المقصرين من المسؤولين والقادة العسكريين ، وتشكيل اللجنة التحقيقية ، ما عاد مهما بالنسبة لهم ، ينتظرون على نار ، ومن يتصور انهم يرغبون في تناول الكباب، ليبحث عن الحقيقة، ويعرضها بكل تفاصيلها ، ويحبط محاولات من يحاول اثارة الغبار لتسويف مجزة سبايكر بعشرة ملايين دينار ، وقطعة ارض في ناحية الدبوني.