انعكاسات تحرير بلدة جرف الصخر العراقية..كيف تم تحرير جرف الصخر العراقية

 

أعلنت وزارة الدفاع العراقية سيطرة الجيش الكاملة على ناحية جرف الصخر ومنطقة الرويعية و الفاضلية والفارسية وعبد ويس والبلدات المحيطة بها شمالي بابل وكان اللواء الـ 31 من الفرقة الثامنة التابعة لقيادة عمليات بابل وبمساندة الحشد الشعبي نفذت عمليات اطلق عليها اسم"عاشوراء" لاستعادة السيطرة على الناحية. العملية مستمرة بأتجاه عامرية الفلوجة ـ محافظة الانبار، القريبة من جرف الصخر والتي تبعد عنه ب 60 كلم. تؤمن هذه العملية امنيا، مناطق جنوبي بغداد وشمالي بابل التي كانت تمثل منذ 2003 ابرز حواض القاعدة و"الدولة الاسلامية" والجماعات المسلحة. العمليات تعتبر خطوة وانجاز نوعي، عجزت الحكومات السابقة من تحقيقها، والتي تمثل خاصرة بغداد ومصدر تهديد الى امنها وامن المناطق الجنوبية ابرزها كربلاء والنجف وعرفت بمثلث الموت مابعد 2005، بعد ان شهدت المنطقة عمليات ارهابية خارج سيطرة الحكومة. هي خطوة عسكرية استراتيجية لتأمين الطريق الرئيسي مابين العراق وكربلاء. إن استعادة الحكومة العراقية الى جرف الصخر، التي حولت تسميتها الى جرف النصر، ضمن خطة الحكومة لتامين حزام بغداد من الجهات الاربع وهذا يعني ان العمليات العسكرية القادمة سوف تتجه نحو منطقة ابو غريب غربا والتاجي والطارمية شمالية ومنطقة السلمان، شرقا.

إن إستراتيجية الحكومة العراقية الجديدة تقوم على تأمين امن العاصمة، للانطلاق بأتجاه اعادة سيطرتها على المحافظات التي سيطر عليها تنظيم "الدولة الاسلامية" في المنطقة الغربية والشمالية الغربية تشمل محافظة الانبار وحوض حمرين وصلاح الدين، اما الحديث عن استعادة مدينة الموصل، فيبدو انه مؤجل في الوقت الحاضر. العملية تعطي دعما معنويا الى القوات العراقية والحشد الشعبي، بأستعادة زمام الميادئة، في اعقاب اجتياح "الدولة الاسلامية" الى الموصل ومدن اخرى في يونيو2014. واعتبر رئيس الحكومة حيدر العبادي، تحرير ناحية جرف الصخر مفتاحا لتحرير المناطق الاخرى.

 

جرف الصخر

 

هي ناحية تبعد حوالي 60 كم جنوب غرب بغداد وشمال مدينة المسيب على بعد (13) كم، تبلغ مساحتها 50كم مربع، غالبية سكانها من قبيلة الجنابين من الفلاحين العاملين بالزراعة؛ كونها تقع على نهر الفرات من الجهة اليمنى للنهر، تكثر فيها زراعة النخيل وأشجار الفاكهة وكذلك زراعة المحاصيل الحقليه. ترتبط جرف الصخر بجغرافية منبسطة مفتوحة مع مدينتي الفلوجة وعامرية الفلوجة في محافظة الأنبار ومع العديد من مناطق الأنبار وتشكل الجناح الشرقي لقضاء الفلوجة وتتصل أيضا بمدن اللطيفية والإسكندرية واليوسفية والمحمودية وفقا لمعلومات جغرافية موسوعية. غالبية ابناء عشيرة الجنابات من اللذين خدموا في مؤسسات النظام السابق ماقبل 2003 بالاضافة الى الزراعة منها مشاريع التصنيع العسكري في المنطقة. تتكون الناحية من سبع مقاطعات زراعية؛ وهي:الفاضلية، الباج الشمالية، الباج الجنوبي، الحجير، الفارسية،صنديج وهور حسين.

 

العمليات العسكرية

 

كشفت القيادات الميدانية بان معارك إستعادة جرف الصخر كانت صعبة بسبب تداخل المناطق وتعدد المحاور والأهداف العسكرية بسبب طبيعتها الجغرافية وتضاريسها الصعبة والحواضن والملاذات الاجتماعية، التي تمثل احد المعاقل التي يراهن عليها التنظيم. بدئت العمليات العسكرية من محاور متعددة وبقصف بالهاونات على مواقع التنظيم مع حلول الليل، وهو توقيت مباغت وغير متعارف عليه في توقيتات العمليات العسكرية، اعتمدت القوات على خطة استخدام كثافة النيران بأستخدام مدافع الهاون والمدفعية الاخرى والطائرات المروحية المقاتلة. استخدمت القوات العراقية الجرافات لتامين الجهد الهندسي الساند، كون جغرافية المنطقة تكثر فيها المبازل.

ومحاولة من التنظيم لوقف القوات العراقية، احرق البساتين ووزع القناصين على النخيل، وزرع الالغام وهو تكتيك ميداني عسكري بات معروفا عن التنظيم في مناطق اخرى، بالاضافة الى استخدام الانفاق. القيادات الميدانية كشفت عن وجود نفق طويل جدا يمتد بين جرف الصخر وعامرية الفلوحة التي تبعد 60 كلم تقريبا، يستخدم هذا النفق لتهريب الاسلحة من محافظة الانبار الى محافظة بابل جنوب بغداد والمحافظات الجنوبية الاخرى، وتتخذ منه مقرا لعملياتها هناك. التنظيم يستخدم اتصالات بين عناصره في المنطقة لا تخضع للشبكة، قام بتحويرها لتامين الاتصال بين مجموعاتها. اغلب وسائل الاتصالات، قام بتحويرها، وهي بسيطة ذات ترددات غير عالية لا تخضع للكشف منها منظومة WALK Talk، والتي عادة تستخدمها اجهزة الاستخبارات في المراقبة وخلال تنفيذ العمليات.

تداعيات جرف الصخرعسكريا يعني تأمين محافظات بغداد وبابل وكربلاء وهي في نفس الوقت تعد خسارة كبيرة للتنظيم كونها نقطة انطلاق رئيسية نحو المحافظات الجنوبية، ذات الغالبية الشيعية، لايمكن تعويضها. الخسارة لم تتحدد بخسارة الارض بل بأعداد قيادات التنظيم الميدانية المتخصصة بالتفخيخ والمتفجرات والاغتيالات. كان التنظيم يعتبر بلدة جرف الصخر بوابة إكمال فتوحاته في العراق لإسقاط بغداد وبابل وكربلاء والنجف وصولا إلى البصرة.

الخبير الأمني اللواء عبد الكريم خلف اكد بأن منطقة جرف الصخر نقطة إستراتيجية مهمة سواء للقوات الأمنية العراقية أو لتنظيم "الدولة الاسلامية" وتمثل نقطة انطلاق ثلاثة محاور في آن واحد، وهي مطار بغداد الدولي، والفرات الأوسط وكربلاء كما لها تأثير بالغ الأهمية على مناطق حزام بغداد وأيضا باتجاه الفلوجة وبالتالي فإن هذه الأهمية متبادلة سواء للتنظيم أو للقيادة العسكرية العراقية. وتعمل استراتيجية القوات العراقية الجديدة على على أساس خطة الإسناد القريب وليس الإسناد البعيد مثلما كان معمولا به في المعارك السابقة وهذا من شأنه يحرم التنظيم من استخدام وسائل القيادة والسيطرة. وتتبع القوات العراقية في هذه العمليات تكتيك تقطيع اوسال المنطقة عسكريا، اي توزيعها الى مربعات مع تحديد المهام. ان تحرير بلدة جرف الصخر، من شأنه أن يدفع القوات العراقية باتجاه مدينة عامرية الفلوجة وهيت ـ محافظة الانبار لما لها من أهمية استراتيجية. هي رؤية جديدة في مسرح العمليات العسكرية تتصف بالدقة والتخطيط.

 

الدعم السياسي والشعبي

 

تزامنت العمليات العسكرية بالدعم السياسي، بزيارة رئيس الحكومة الى المملكة الهاشمية، التقى خلالها مع جلالة الملك عبد الله وبحث خلالها التعاون المشترك لمواجهة تنظيم"الدولة الاسلامية" في العراق، والذي بات قريبا من الحدود الاردنية العراقية. التقارير الأستخبارية كشفت عن نجاح التنظيم بفتح منافذ غير رسمية مع الاردن عبر طريق بري دولي موازي الى الخط الدولي السريع، تسلكه شاحنات الجماعات المسلحة، بعد استعادة القوات العراقية سيطرتها على معبر الكرامة ـ طريبيل. يشار ان الاستخيارات الاردنية عرف عنها بخبراتها وخطواتها الاستباقية باجهاض الارهاب قبل ان يتنامى، وهي ذات الخطوات التي اتبعتها المملكة عند حدودها مع العراق، رغم بعدها مئات الكيلومترات، وهي إستراتيجية، توصف بالناجحة وسط مناطق ساخنة. والتقى رئيس الحكومة العبادي بعض شيوخ عشائر الأنبار وكانت لقائاته ناجحة تدارست الأوضاع في محافظة الأنباروالمحافظات الاخرى وكيفية مواجهة الارهاب واخراجه. وهذا مادعم العمليات العسكرية ضمن مناخ سياسي وشعبي ايحابي، زيارة عمان، تعكس خطوات الحكومة العراقية الجديدة بخلق مناخ سياسي عربي بالانفتاح على دول الجوار ولم تكن زيارة روتينية. شهدت بلدة جرف الصخر خلال تنفيذ العمليات العسكرية تواجد وزيارات لعدد من المسؤوليين ابرزهم رئيس الحكومة و وزير الدفاع ووزير الداخلية. الرايات والشارات التي كان يرفعها ويرددها مقاتلو الحشد الشعبي كانت وطنية الى جانب القوات النظامية، لتبدد اي مخاوف طائفية.

 

وفي هذا السياق أكد ماجد السليمان احد مشايخ الدليم أن العبادي وافق على تطويع 30 ألف مقاتل من أبناء عشائر الأنبار، بحيث تكون لكل عشيرة من عشائر المحافظة حصة من هذا العدد، مشيرا إلى أن هذه القوة لا علاقة لها بمشروع "الحرس الوطني". هذاه الخطوة تأتي ضمن فهم صحيح الى معالجة الارهاب القائمة على فصل هذه الجماعات الارهابية عن الحواضن وعدم اخذها بجربرتها. التجارب اكدت، انه لايمكن محاربة الارهاب والجماعات "الجهادية" بدون ارادة السكان المحليين، هذه السياسة، من شأنها تبعد الحكومة العراقية وتجنبها الكثير من الخسائر، والحرج في ممارسات بعض القيادات الميدانية الخاطئة وتجنب الخسائر مابين المدنيين الذين عادة يكونوا ضحية المواجهات المسلحة او خطأ الضربات الجوية او المدفعية، هي خطوة بالاتجاه الصحيح. هذه الخطوة جائت عراقية محلية وليست خطوة اميركية، كما تعودت عليها المنطقة تحت باب الصحوات او اللجان الوطنية.

 

العمليات في منطقة جرف الصخر شاركت فيها قوات الحشد الشعبي الى جانب الحكومة العراقية، وهذه المشاركة بددت المخاوف محليا واقليميا حول حقيقة مشاركة "الحشد الشعبي". فقد اظهرت التحقيقات امكانية قتالية "للحشد الشعبي" ودرجة عالية من الانضباط العسكري في تنفيذ المهام الى جانب القوات النظامية. إن استعادة بلدة الجرف لها تداعيات كبيرة على رفع معنويات القوات العراقية، في قواطع ومواجهات ضد هذا التنظيم، ابرزها التقدم الذي حققه الجيش العراقي في حوض حمرين ومحافظة صلاح الدين واجزاء من بيجي شمال صلاح الدين واستعادة سيطرته على الطريق الدولي الذي يربط العاصمة بمحافظة كركوك والمحافظات الشمالية الاخرى. هذه العمليات ممكن استنساخها في قواطع العمليات الاخرى.

 

انشقاقات داخل "الدولة الاسلامية"

 

العمليات العسكرية للقوات العراقية جائت بالتزامن مع التحالف الدولي ضد "الدولة الاسلامية" في العراق وسوريا لتعمل انكسارا معنويا الى هذا التنظيم، بعد ان كانت رسائله تهدد بغزو بغداد. المعلومات الواردة من داخل مدينة الموصل والانبار وشهادات سكان محليين، اكدت اختفاء عدد من قياديي التنظيم، وهذا يعني بان الجهود في مواجهة التنظيم، اثمرت استخباريا الى الجانب العسكري. الحكومة العراقية وزعامات العشائر شنت حملة علاقات سرية، لسحب بعض هذه الزعامات وفصلها عن التنظيم وهو اسلوب ناجح استخباريا في مواجهة الارهاب والجماعات، المنهج الاستخباري يدعم فكرة الاتصال بجماعات داخل التنظيم ربما تكون اقل تطرفا وسحبها من الداخل الى جانب مواجهة التنظيم عسكريا.

 

التنظيم بدء يتراجع، والفترة الحالية تشهد انشقاقات عمودية وافقية، ويعود السبب الى توسع التنظيم من حلقة مغلقة الى تنظيم اشبه بالاحزاب الشمولية عند دول العالم الثالث، يقوم على الدعاية وكسب المقاتليين.اظهرت عمليات جرف الصخر، إستراتيجية وفكر عسكري واستخباري وسياسي جديد، لم يعهده العراق من قبل والذي يقوم على اتباع العمليات الهجومية ضد التنظيم بعد ان كانت القوات العراقية تقوم بعمليات رد فعل دفاعية، وتأمين الدعم السياسي والشعبي الى جانب العمليات العسكرية.

العملية رفعت من معنويات القوات العراقية والحشد الشعبي وغيرت من مزاج الشارع العراقي الذي بات يعيش على وقع الهزيمة العسكرية والعمليات الانتحارية. العمليات الحالية تأتي بأنعكاسات ايجابية على باقي قواطع العمليات المسلحة. ألعراق يحتاج الى الدعم العربي، ودعم دول الخليج، بأعتبار ان موجهة الارهاب لم تعد مسؤولية محلية.

 

*باحث في قضايا الإرهاب والإستخبار